توجد عبارة لا أعرف قائلها ولكنني أعتقد أن الذي قالها رجل حكيم مجرب عالم بأحوال الحياة والأحياء، وتلك العبارة تقول: إذا وجدتم أن عقل الرجل أكبر من علمه فتوقعوا منه الخير والرشد والحكمة، وإن وجدتم أن علم الرجل أكبر من عقله فأشفقوا على حالته وما يصدر عنه من تصرفات! وقد تأملت في العبارة الآنفة الذكر وربطتها بما مر بي من صور وتجارب لأناس تنطبق على بعضهم صفة كبر العقل على الرغم من تواضع ما لديهم من علم ومعارف، وعلى بعضهم الآخر صفة ضعف وصغر العقل عند إنسان ما مع ما قد يحمله صاحبه من علم ومعرفة وشهادات عليا، فوجدت أن العبارة صحيحة في حالات وصور عديدة، لأن صاحب العقل الكبير يتفوق بعقله الراجح على ما يواجهه من قضايا ومشاكل تخصه أو تخص غيره ممن حوله من الناس فتراه يهتدي بما يملكه من رجحان عقل وخبرة ودراية وحسن تصرف لحلول قد لا يهتدي إليها من هو أكثر منه علما حتى لو كان حاملا لأعلى درجات العلم لأن رجاحة العقل هبة إلهية قد لا تتوفر لدى كثير من خلقه، والتجارب والمواقف تؤيد ذلك، فكم من صاحب عقل راجح قدم رأيا أو مشورة تغيب عن فطنة وعلم غيره ممن هم أعلم منه، أما إن جمع الله لإنسان ما بين رجاحة العقل وسعة العلم وتنوع الخبرة وحسن التصرف في المواقف فإنه يرتقي بهذه الصفات مجتمعة إلى مرتبة الحكمة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا»، أما معظم الناس فإنه إما أن يكون ذا علم واسع ولكن عقله أصغر من علمه فتراه يأتي بالعجائب من التصرفات!، وإما أن يكون عقله أكبر من علمه فيأتي منه الخير غالبا، لأن رجاحة العقل ميزة جيدة، أما العلم الذي لا يسانده عقل راجح فإنه قد يصبح وبالا على صاحبه، أما ثالثة الأثافي فهو الذي لا يكون لديه علم ولا عقل راجح ومع ذلك تجده يظن أن له قيمة مع أنه لا يصدر عنه إلا الرأي الفج والتصرف الأحمق!.