في زمن من أزمنتنا البيضاء كان بعض ملاك المزارع لا يملكون ( السانية)، وهي الحيوانات التي تسهم في إخراج الماء من البئر ب(الغرب) من قاع سحيق إلى (القف) وهو حوض أول مشرف على البئر ومهيأ لاستقبال الدفعات المائية، ولذا لا بد من الاستعانة بساقٍ، وأحيانا ينقطع الاتصال بين القائم على أمر السانية (الساقي) وبين الموكل إليه مهام توزيع الماء في القصاب والأحواض (المحرف)، وربما لا يدرك حامل المسحاة سر انقطاع الماء من الفلج، ولا يمكنه إبلاغ صوته لحامل (العرقة) وهي سوط يجلد به السواني في المسافة بين البئر، والمجرة وهو يردد على مسمعها (عل وهو)، ولذا يقول أجدادنا في المثل (ابتعد الساقي عن المحرف) كناية عن التفاوت بين أمرين أو موقعين أو مسؤول ومواطن، وهذا الأخير محور هذه المقالة كون القائم على القرار في وزارة أو إدارة ما أحيانا يضع خطة أو نظاما أو توجيها ويعممه وفق آلية إدارية على الجميع، إلا أنه بحكم موقعه في مدن رئيسة لا يعلم كل شيء عن ما يحدث في الأطراف من المحافظات والقرى والمراكز والهجر ونسبة تطبيق القرار وتفعيله من عدمه، ولذا يصدق على هذه الحالة من العزلة ابتعاد الساقي عن المحرف، ومن القصص الموثقة المروية عن جدي جماح رحمه الله أنه عندما تعثرت معاملة افتتاح مدرسة في قريتنا عند مسؤول عنيد يدير إحدى إدارات المنطقة قبل ما يقارب ستين عاما، اجتمع كبار القرية واتفقوا على إرسال (جماح بن علي) إلى محافظة الطائف للتعقيب على الموضوع، كون الوزارات تعمل من الطائف طيلة الصيف، وبالفعل أمنوا له سيارة لنقله وارتحل مؤملا أن يعود بما كان يطمح وجماعة القرية إليه، ولكنه أضاع أسبوعا في مراجعات ووعود لم يتحقق في حينها منها أي شيء، وعندما رجع إلى الباحة سألوه: بشر يا جماح؟ فرد عليهم (الماء مخارم من شدا إلى الهدا).