كارثة الطائرة الماليزية التي أسقطت بصاروخ فوق «اوكرانيا» خلال هذا الأسبوع تذكرنا بظاهرة «البلطجة الجوية» التي تمثل أعلى درجات خيانة «الأمانة الجوية». وخلال تحليلات «الخبراء» حيال العمليات الإرهابية الجوية التي تعرضت فيها طائرات تجارية آمنة إلى الهجوم، وتسببت في قتل الركاب ستجد أن أشهر الحوادث كانت حادثة شركة الطيران الكورية رحلة (007) من طراز بوينج 747 التي أسقطتها إحدى مقاتلات الاتحاد السوفيتي سابقا عام 1983، وقد تسببت تلك الحادثة في مقتل جميع ركابها البالغ عددهم مئتين وتسعة وستين مدنيا. وكانت الطائرة التجارية في طريقها من مدينة «أنكوريدج» في آلاسكا بالولايات المتحدة إلى العاصمة الكورية «سيئول» عندما اعترضتها طائرات مقاتلة من طراز «سوخوي» من سلاح طيران الاتحاد السوفيتي سابقا. وقامت إحداهما بضرب الطيارة المدنية فأسقطتها في المحيط الهادئ. وأثارت هذه العملية الإرهابية الجوية موجة هائلة من السخط العالمي مما أكد على أن الاتحاد السوفيتي كان فعلا يمثل «إمبراطورية الشر» كما وصفه البعض. ومن المؤسف أن نسمع عن حوادث الطيران بشكل عام، وعن حوادث إسقاط الطائرات المدنية من قبل قوات عسكرية بشكل خاص. والمحزن فعلا أن ينسى العالم، أو يتناسى قمة البلطجة والسفاهة الإرهابية وهي كالتالي: في عام 1973 تعرضت الرحلة الليبية الجوية 114 -وكانت طائرة ركاب ليبية من طراز بوينج -727 لإحدى أبشع أنواع الإرهاب الجوي من قبل القوات الإسرائيلية. ففي صباح 1 مايو غادرت تلك الطائرة مطار بنغازي باتجاه القاهرة وعلى متنها 104 ركاب مدنيين ونصفهم من السيدات والأطفال... ركاب مثلي، ومثلك، ومثل أولادنا، وأصدقائنا حاملين معهم مئات الأحلام، والخطط، والأشغال، والجداول الدراسية، واللهو البريء.. فلا خبراء طاقة نووية، ولا عسكريين، أو قيادات سياسية.. المهم أنه في ذلك اليوم كانت هناك رياح قوية جدا تهب من الغرب أثرت على الجوانب الملاحية للرحلة، وتحديدا، فحيث إنها كانت تطير باتجاه الشرق فقد أثرت على سرعتها الأرضية لتزيدها بشكل غير متوقع من قبل طاقمها.. قدرت سرعة تلك الرياح بأكثر من مئتين وعشرين كيلومترا في الساعة، وبالتالي فقد انحرفت الطائرة عن خط سيرها فزحفت إلى الشرق بطريقة غير متوقعة لدرجة أنها وصلت إلى منطقة سيناء المصرية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي آنذاك. وانطلقت طائرتان إسرائيليتان من طراز «فانتوم» لاعتراض الطائرة المدنية. وبعد أن وصلتا إلى جانب الطائرة التجارية الليبية، وبعد أن طارتا بجانبها لفترة، بدأت الجريمة الإرهابية ألا وهي إطلاق النار على الطائرة المدنية حتى سقطت في صحراء سيناء وقتل مائة وسبعة من ركابها الأبرياء. جدير بالذكر أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت النار من مدافعها الرشاشة في «عز الظهر» مما يؤكد على أنها كانت هدفا مرئيا وكانت عملية إرهاب متعمدة. وجدير بالذكر أيضا أن طائرة البوينج 727 ذات الثلاثة محركات النفاثة شكلها مميز جدا، فمن السهل التعرف عليها، ولا يمكن أن يحسب الناظر إليها أنها طائرة عسكرية. والملاحظ هنا أن الحكومة الإسرائيلية بكبريائها وبطشها لم تعتذر، بل إنها حاولت أن تطمس الكثير من حقائق هذه الجريمة الإرهابية، فادعت أن طاقم طائرات الفانتوم الإسرائيلية حاولوا أن ينذروا الطائرة الليبية بدون جدوى. وقد اتضح لجهات التحقيق الدولية غير ذلك. وللعلم، فإن هذه الجريمة تختلف عن أوضاع الطائرتين الكورية والإيرانية في عنصر الزمن.. فقد كان هناك متسع من الوقت لطياري إسرائيل للتعرف على الطائرة وإنذارها وإجبارها على الهبوط الاضطراري بدون تدميرها. أمنية نحزن جميعا على الأبرياء الذين يقتلون يوميا على أيدي الإرهابيين في كل مكان. ونحزن على وضع شركة الطيران الماليزية التي خسرت الكثير كما لم تخسر أية شركة طيران في سنة واحدة. أتمنى أن لا ننسى تاريخ الإجرام والمجرمين والبلطجة السافرة حديثا وقديما. والله يعين العالم عليهم. وهو من وراء القصد.