حول العدو الإسرائيلي قطاع غزة إلى ملعب للتهديف الفردي، وأمام العالم مجتمعا تتحرك قوى المحتل بوحشية سافرة يدعمها التأييد الغربي كالعادة ..وكعادتنا أيضا نقتعد لمشاهدة سفك الدم بإخراج الشتائم في الهواء إزاء كل تلك الوحشية وسواء كنا أفرادا أو أنظمة فالواقع يدلل بأننا لا نملك إلا ألسنتنا وكلمات تطير هنا أو هناك. وقطاع غزة جزء يمثل أقل من 1.5 من فلسطين الموعودة (المحتلة) تم تخزين أهلها في مساحة تقدر ب360 كيلو متر مربع، وهو عبارة عن سجن كبير ليس لأهلها الحق في شيء من احتياجات الحياة مما خلق الضيق الشديد والمعاناة المتواصلة لأهل هذا القطاع، وقد تنقل هذا الجزء مستظلا بحكم الانتداب البريطاني، ثم المصري ثم احتلال إسرائيلي فانسحاب، وقد حدث الانسحاب في 2005 بإعلان إسرائيل إنهاء حكمها العسكري على القطاع، وهو انسحاب تكتيكي إذ أن القانون الدولي يلزم المحتل بحماية وتدبير شؤون البلد المحتلة وتقديم الخدمات الإنسانية لأهله وجاء انقسام السلطة الفلسطينية (فتح وحماس) بعد اقتتال فيما بينهما بإعلان الرئيس محمود عباس حل حكومة إسماعيل هنية وهو إعلان تم رفضه من حماس التي تمسكت بحكم قطاع غزة لتصبح السلطة الفلسطينية منقسمة على نفسها. هذا الاختناق السياسي والاقتصادي جعل حماس تلعب الأدوار المختلفة بحثا عن مخرج لأزمتها الحياتية فحدث التناقض بين أفعالها كقوة مقاومة وبين مواقفها السياسية لمن تدين لهم بالدعم، وتنقلاتها بين مصالح الداعمين أفرز مواقف متباينة انعكست على مشاعر الناس تجاه هذه الحركة أو الجماعة، وكانت فترة حكم الإخوان لمصر من أسوأ الفترات التي مرت بالعلاقة المصرية الفلسطينية، إذ تحولت حماس إلى خصم مباشر لطموحات الشعب المصري واتهمت بأنها اخترقت السيادة المصرية واقتحمت السجون وغامرت بإخراج الإخوان من سجونهم، وخلال سنة حكم الإخوان تعهد الدكتور مرسي لإسرائيل بأن يكف يد حماس وأن لا يطلق صاروخ واحد على إسرائيل (وهو ما تحقق فعلا) ومع سقوط حكم الإخوان وتكشف ماكان يدار من القوى الكبرى من خلالهم اكتسبت حماس كل مثالب الإخوان حتى إذ حدث العدوان الإسرائيلي الأخير ورفض حماس للمبادرة المصرية (وقبولها من إسرائيل) كان الغطاء السياسي الدولي لإسرائيل متوفرا ويمكنها من فعل ماتريد، وإرادتها هنا ليس احتلال القطاع مرة أخرى، بل تدمير أي مقاومة يمكن لها أن تهدد أمنها... إذن هذا الاجتياح يستهدف إبقاء القطاع سجنا لاتتوفر فيه أدنى مقومات الحياة .. ومع معرفة حماس بحقائق واقعها الذي لايمكنها من تحقيق أدنى درجة من درجات النجاح تصبح المقاومة انتحارا في ظل عزلتها التامة وافتقارها لكل شيء وكان من الأولى أن تكمل المصالحة مع حركة فتح وأن تتصالح مع الأنظمة العربية الداعمة ليس للإذعان وترك المقاوم، بل لكي تمتلك خيارات عدة حين تقدم على مقاومتها ... فهي جزء من شعب وجزء من أمة وحين تتمكن إسرائيل منها بتفردها وعزلتها فهي تقدم على الموت المختار .. صحيح أنه ليس وقت مراجعة التاريخ والمواقف في ظل محاصرة شعب وقتله من الوريد للوريد وإنما مخاطبة الأ طراف التي تقف موقفا عدائيا أو متحفظا من حماس أن تعمل على نجدة شعب. فالذين يموتون هم منا، ومهما اختلفنا مع القيادات فإن زمن الحرب ينحي الاختلاف ويعزز من الائتلاف. وصحيح أن التجارب السابقة كشفت أن عالمنا العربي يعجز تماما عن نجدة من يقصف أو يقتل إلا أن المساندة تغدو واجبة حماية للدم المسفوك الآن. [email protected]