ذهلت وانا استمع الى نشرة اخبارية لاحدى الفضائيات السعودية، حيث اعلنت أنه قد تم القبض على 24 الف متسول خلال العام الميلادي المنصرم 2013. نعم 24 ألفا كانوا يجوبون الشوارع، ويقفون على ابواب المساجد بل وداخلها، يسألون الناس ولهم في ذلك حيل واساليب، تبدأ من ادعاء اصابة، أو بتر عضو من أعضاء الجسد، وتمر بأوراق الله وحده يعلم مدى ثبوتيتها وصحتها يزعمون فيها أنهم غارمون، أو هي تقارير طبية، وتنتهي بآخرين يحملون أطفالا تبدو عليهم آثار المرض. لقد أصبح التسول فنا له سبله ووسائله واشكاله، والمتسول (فنان) لانه يؤدي أدوارا تشبه الى حد كبير ما نراه في المسلسلات والافلام، وكلما أتقن المتسول دوره، استطاع أن يقنع العامة باحتياجه، ويستخرج ما يمكن استخراجه من جيوبهم. ولو أمعنا النظر في هؤلاء المتسولين، وقمنا بتصنيفهم، سنجدهم حتما مواطنين سعوديين، وآخرين مقيمين، وربما كان الكم الاكبر منهم من المعتمرين والحجاج الذين جاءوا لاداء العمرة والحج وتحقيق مكاسب وكأن العمرة والحج باب وليس هدفا وانما الهدف هو الكسب الممقوت. الجهات المعنية تتساهل مع المعتمرين والزوار والحجاج، ولكن هذا التساهل في غير موضعه مع من يمتهنون ويحترفون التسول، لان الذي يملك تكاليف العمرة، برا أو بحرا أو جوا، لا يمكن أن يكون محتاجا الى درجة التسول، وانما هو جاء الى بلاد الحرمين الشريفين ليمارس مهنته التي تعود عليها في بلاده، وهؤلاء ينبغي ترحيلهم فورا الى بلادهم، ومنعهم من دخول البلاد مرة أخرى. أما المتسولون من المقيمين في البلاد، أي ممن معهم إقامات رسمية، فلا بد من ترحيلهم كذلك، ومحاسبة من أتى بهم، خاصة أن كثيرا منهم يرتدي ملابس سعودية، ويسيء الى أهل البلد. والصنف الثالث هم سعوديون وجدوا في التسول فرصة ووسيلة سهلة لابتزاز الناس وسلب اموالهم، وهؤلاء ينبغي تأديبهم وتغليظ العقوبات عليهم، واستخراج حفيظة نفوس لكل واحد منهم تسجل فيها مهنته: متسول، حتى تلاحقه المذلة بقية حياته وذلك بعد أخذ إقرار عليه مرتين عدم تكرار ذلك، وبالطبع وسط هؤلاء نجد المحتاجين فعلا وهم قلة، يتم التحري عن أحوالهم، وتقديم كافة العون لهم، فتلك مسئولية الدولة، ولله الحمد لدينا مؤسسات حكومية تتولى جمع الزكاة وانفاقها على مستحقيها، بل إن على الدولة أن تقوم بتشغيل من هو قادر على العمل واعادة تأهيل الكثيرين منهم لمواجهة الحياة بشرف، والكسب الحلال. مطلوب مواجهة هذه الظاهرة بحزم، وهي ليست مسئولية الحكومة وحسب، فعلى الافراد دور مهم في مواجهتها كذلك، اذ ينبغي علينا عدم تشجيعهم بإعطائهم من أموالنا من لا يستحقه أو حتى معرفة استحقاقه اللهم إنه مثل المحتاج، فهناك من هم أكثر استحقاقا واشد حاجة من هؤلاء، ولكنهم لا يسألون الناس إلحافا. المواجهة مطلوبة بشتى الوسائل، قبل أن يأتي يوم يصبح فيه التسول وظيفة تعلن عنها الشركات والمؤسسات، بل ربما يتم التعاقد مع متسولين من الدول الشقيقة والصديقة لشغلها.