إن كان اعتدال الجو المحرض على النزهة، المغري بالسفر هو أول ما ينشده السائح في كل مكان، فإن يوما واحدا من أيام صيفنا الخمسيني الفتي، الذي مازال بحسب المبشرين بالخير من أهل الأرصاد يتأهب للمزيد من طبخ الجلود، كفيل بإحباط الموسم السياحي كله، إذا علمنا أن مجرد الخروج في مثل تلك الأجواء مجازفة، فضلا عن السفر أو النزهة، فإذا وضعنا في الاعتبار أن الموسم السياحي لدينا يبدأ عادة بنهاية دوام المدارس، جاز لنا أن نتساءل وبدهشة، أي تنسيق أو تخطيط حصيف ذلك الذي يزامن موسم السياحة الداخلية في هذه الأوقات اللاهبة، بعد أن تخطى من قبل مواسم البرد والمطر واعتدال الجو، التي قضاها أكثر الناس يرقبون المطر من نوافذ بيوتهم، وينتهزون نهايات الأسابيع للظفر بيوم سقفه الغيم، بعد أن ظن عليهم ضعف التخطيط والتنسيق بإجازة تزامن تلك الأجواء، إلا من أسابيع خاطفة هي مجرد استراحات سريعة بين فصول الدراسة. فإذا أسقطنا عامل الجو من حسبة الموسم السياحي إلا في بعض مناطق المرتفعات التي يشل طوفان الزحام حركتها في مثل هذا الوقت من كل عام، وتذكرنا بعد ذلك زمن الإجازة الذي يبدأ تقريبا منتصف شهر شعبان وينقضي منتصف شوال، أي ما يساوي شهرين تقريبا، كان لزاما أن نلغي من حساب الموسم شهرا كاملا، فمن المعروف أن أكثر الناس يحبذون قضاء شهر رمضان مستقرين في بيوتهم، ليبقى بعد ذلك شهر واحد مجزأ على فترتين إحداهما تضج أعيادا ومناسبات !. وإذ يفقد الموسم السياحي لدينا رهان الطقس، وفسحة الزمن، فإنه لا يعثر في بقية عوامل الجذب المفترضة على ما يجبر كسره، أو يعوض خسارته، فأدنى شقة في مدينة سياحية تؤجر هذه الأيام بأسعار تعادل أسعار فنادق الدرجة الأولى، وقيمة وجبة طعام من فئة (تصبيرة) في منتجع سياحي أجمل مباهجه ملعب صابوني، كفيلة بصرف النظر عن مسألة الأكل هذه والاكتفاء بالبسكويت المهرب في الجيوب، أو صحن (كنافة) تم تمريره في عباءات مخصصة لكسر قانون (يمنع اصطحاب الطعام)!، وكلما تزايدت احتياجات سائح ما في الداخل بأن عوار موسمنا السياحي، وليس بالضرورة أن تكون الاحتياجات كبيرة أو صعبة ليحدث ذلك، ولعل لحظة اضطرار إلى دورة مياه تصلح للبشر تفصح عن ذاك العوار كاملا !. لأجل ذلك، ولوقت طويل قادم، ستبقى جلسة على الحصير، في ظل (الجمس)، ساعة الأصيل، محتفظة بكامل بهائها السياحي، حين يتعاتب الزوجان على طريقة (أختك فاطمة تتدخل في حياتنا)، ولا يقطع تلك الرومانسية المفرطة إلا غارات مباغتة من دراجة (معيض) الله يحوطه !.