استحوذت حادثة تمزيق بعض تلاميذ المدارس كتبهم الدراسية ونثرها في فناء المدرسة، في أعقاب انتهاء الاختبارات، على تعليقات وتعليلات عدد كبير من الكتاب، وكنت بحكم تخصصي العلمي والمهني أتابع باهتمام ما يطرح من تحليل وتفسير، فلفت نظري أن معظم، إن لم يكن جميع من دونوا رؤيتهم حول هذه الحادثة انصرفت أذهانهم إلى مناقشة كيف نحافظ على الكتب المدرسية بحيث لا ينالها التلاميذ بأذى!، أي نظروا إلى المشكلة من جانبها الأقل أهمية والأسهل والأيسر في ضبطه، وهو الحفاظ على الكتب، وأغفلوا مناقشة الجانب الأكثر أهمية، وهو ما يكمن وراء هذا السلوك وما ينبئ به من بذور الخطر. الاعتداء على الكتب بالتمزيق والرمي والبعثرة في فناء المدرسة، ما كان له أن يكون مشكلة لو أنه حدث في حالة انفعال للتنفيس عن مشاعر الغضب أو القهر؛ بسبب التعرض لسؤال صعب أو درجة منخفضة أو رسوب أو ما شابه ذلك، لكنه حدث بلا أسباب ظاهرة، وحدث مصحوبا بضحك وانبساط وشعور بالمتعة، وهذا ما يجعله مشكلة، فأن ترتبط الإساءة بجلب الانبساط والمتعة، هذا مؤشر على انحراف نفسي ينذر، إن أهمل علاجه، بمواجهة مشكلة اجتماعية كبيرة. هؤلاء التلاميذ يدركون أن تمزيق الكتب وبعثرتها عمل سيئ يغضب الكبار ويغيظهم؛ لذلك هم يتعمدون فعله (ليستمتعوا) بتخيل ردة الفعل الغاضبة. شعور التلاميذ بالسرور عند ممارستهم ما يغيظ الكبار دليل على أن صدورهم تنطوي على مشاعر عدوانية، ومن المؤكد أنها مشاعر لم تولد معهم، لكنها تولدت داخل نفوسهم بفعل نوع المعاملة التي يتلقونها في مدرستهم أو داخل أسرهم على السواء. إن الخطورة في هذا هي أن مثل هؤلاء التلاميذ، إن لم تعالج مشكلتهم ويجتث من نفوسهم ما أخذ ينمو فيها من ميل للعدوان، يكبرون وتكبر معهم عدوانيتهم، فيصيرون عنيفين (لفظيا أو بدنيا) مع أفراد أسرهم ومع مرؤوسيهم وفي مختلف تفاعلاتهم مع الآخرين، ليس هذا فحسب، وإنما أسوأ منه أنهم قد يصيرون فرائس ميسورة الاصطياد لمن أراد أن يستقطبهم للجريمة أو لعمليات الإرهاب المغطاة بوشاح ديني، لما في الجرائم من إشباع للمشاعر العدوانية المخزونة في صدورهم. إني لا أدري إن كانت واقعة تمزيق الكتب حدثت في مدرسة واحدة أو أكثر، فالذين تناقلوا صورة الكتب الممزقة لم يكن يعنيهم الاستقصاء قدر ما عناهم بث خبر رأوه مثيرا، ولا أدري أيضا في أي حي تقع تلك المدرسة التي مزقت فيها الكتب، وهل هي مدرسة حكومية أو خاصة؟ لكني أستبعد تماما أن يكون هذا التصرف حدث في مدرسة من المدارس الجيدة، ليس لأن التعليم فيها أفضل كما قد يظن البعض، وإنما لأن طلابها غالبا يجدون تعاملا يخلو من العنف البدني واللفظي، وينتمون إلى أسر لا تعتمد العنف في تربية أطفالها، ومن ثم يستبعد تولد مشاعر عدوانية في نفوسهم تجعلهم يبحثون عن اللذة من خلال إيذاء الغير.