سبب أساسي لتخلف المسلمين واستغراقهم بالصراعات الأهلية وفي نفس الوقت بعدهم عن وعي الهدي الرباني الحقيقي هو أنهم أسرى للتاريخ، فقد جعلوا من التاريخ دينا بكل ما يتضمنه من خصومات وصراعات سياسية وشخصية وما يتضمنه من أنماط سلبية سبقت التطور الحضاري النوعي الحديث، حتى صار الوعي الإسلامي مغيبا عن الحاضر في هذا القالب التاريخي غير المفيد بل والضار الذي إن كان له فائدة فهي فائدة لفئة واحدة فقط وهم الديماغوجيون أي الذين يلعبون على أوتار الإحباطات والآمال والعصبيات ويستعملون مصطلحات الماضي وصوره الذهنية التقليدية الطوباوية لتملق ولاء الجمهور، والمجتمع هو من سيدفع الثمن بالحروب الأهلية وتضييع الفرص والإمكانيات الرائعة وغير المسبوقة للعصر الحديث، وهؤلاء الذين سماهم النبي «المتشدقين» ومن يتبعهم أسرى الصور الذهنية الطوباوية عن التاريخ والتي تم تكريسها عبر الروايات المنتقاة من التاريخ بشكل غير موضوعي، وعن خبرة شخصية أقول إن أفضل علاج للتحرر من هذا الأسر للتاريخ هو قراءة مصادره الأصلية التي كانت أمينة في نقل ما يتضمنه من أمور صادمة على كل صعيد حتى على صعيد الواقع الأخلاقي لأهل العصور الماضية، فهي تجعل القارئ يوقن أن المسلمين حاليا هم أكثر تدينا وأخلاقا ومحافظة من أي وقت مضى، أنا شخصيا حصل لي هذا الأثر وقد كنت أقبلت على كتب التاريخ القديمة من فرط ولعي بالصورة الطوباوية عن التاريخ، لكن قراءتي لها أزالت عني ذلك الحال العاطفي وأورثتني منظورا نقديا تجاهها وعرفتني أن تلك الصورة الطوباوية لا وجود لها سوى بخيال من لم يقرأ المصادر الأصلية للتاريخ، والخطورة أن جماعات الإرهاب كلها تسعى لما تقول إنه إعادة لذلك الماضي الطوباوي الذي لم يوجد يوما.. ولا يمكن أن يوجد حاليا.