لا أشكُ أن الأديان نزلتْ من عند الله نقيّة، مؤصلة للأنسنة، مُرحبّة بالجمال، مُعززة للأخوة، منحازة للخير، والخالق لم يهبنا الدين ليؤثر فينا فقط بل أرادنا أن نؤثر به ومن خلاله، لتغدو العلاقة معه علاقة تفاعلية تقوم على الحوار وفك الإشارات وتحليل الرموز وتأطير العلاقة النصية بزمانها ومكانها، وخلق فهم متجدد، فالدين عند الله الإسلام، والمسلم عند المسلمين من سلم الناس من لسانه ويده، ومن لفظة (سلم) نشتق مصطلحات السّلم والمسالمة والتسليم والاستسلام والسلامة، وبإعادة النظر في منهجية علاقة المسلمين اليوم مع بعضهم في البلد الواحد، بل وحتى في المنطقة، أو البلدة، أو القرية، نجدها مُلبّدة بالكثير من الحساسيات الذهنية، ومغلّفة بتراكمات وضغائن تاريخية، ومشوبة بالحذر والارتياب والقلق والخوف، ما يشعرك أن أخاك المسلم يضمر لك سوءًا كونه يختلف معك ، وهذا ما يحرضنا على وضع بعضنا البعض في خانات الخيانة أو التخوين، ويثير جماحنا في التصدي لبعضنا بقسوة، والوقوف في وجوه إخوتنا بعنف، وكل ينظر إلى إيديولوجيته نظرة قداسة غافلاً عما لحق بها من تصفيات الحسابات، ولوثة العصبيات، وجناية الصراع وما خلّفه من تجاعيد على وجه وقسمات ما وصلنا مما يوصف ب(تراث إسلامي) موثق في مخطوطات أو محقق في مدونات، لم تغربل بوعي، ولم تُنخل بموضوعية، ولم يتم تحقيقها بمعايير علمية ومنهجية بل أُورثناه بأزماته وعقده وحكاياته وخرافاته وأساطيره، لنبدأ مجدداً تصفية الحسابات واختلاق الصراعات وتشويه المخالف من الأفكار والتيارات، وفي شهر رمضان من كل عام أجدني منجذباً لا مجذوباً إلى قراءة التراث، ومع بالغ أسفي أن أقول أن الصور المشرقة في تاريخنا الإسلامي المدون استثناء، فمعظم حقب وقرون الدول والممالك والسلطنات حروب وغزوات وحمل سيف وغارات وتوسع واستيطان، وكل هذا لا يستقيم عندي مع رسالة الإسلام الخالدة (إنما بُعثتم هُداة لا غزاة، ومبشرين لا منفرين، ومعلمين لا جُباة) ويمكن لأي منصف راصد لسلوكيات المسلمين في شهر الصوم والإمساك أن يستشعر الخلل من خلال السلوكيات البائسة ممن يدّعون ويتمظهرون بالإسلام، وأنّى لي أن أُصدّق أن من أتعامل معه شبه يومي في وطني ملتزم بآداب الإسلام، وأنا أرى في البعض غطرسة الشيطان، وكبر فرعون، وصلافة أبي جهل، ومكر ابن سبأ، وقسوة وحشي، وكذب مسيلمة، وطمع أشعب، وحمق هبنّقة، هذا لا يعني أن مجتمعنا خال بالكلية من نماذج مضيئة إلا أنهم استثناء أمام هذه الحشود التي تكره وتقصي وتقتل وتستحل باسم الدين، ولا يعلمون أن ما في أذهانهم صور مشوهة عن الدين وليس الدين النقي الذي نحن بأمس الحاجة إلى العودة لجذوره الأولى ونقائه الأصلي قبل التلويث.