رحم الله الأستاذ الجامعي عبدالعزيز الخويطر، عميد أساتذة الجامعات السعودية وأول حامل دكتوراة بها. حينما كنت طالبا بالسنة الأولى في كلية التجارة بجامعة القاهرة في عام 1960م الموافق 1380ه سمعت أن الدكتور الخويطر عاد من بريطانيا حاملا شهادة الدكتوراة في التاريخ، وأنه قد عين وكيلا للجامعة في الرياض «جامعة الملك سعود»، كانت درجة الدكتوراة في ذلك الزمن حلما بعيد المنال، بل من المستحيلات التي يفكر فيها أبناء المملكة آنذاك. كان الخويطر بعد ذلك قدوة ونبراسا يريد كل الجامعيين الطموحين أن يسلكوا مسلكه في مستقبل العلم والتعلم والحصول على الدرجات الجامعية العليا. كانت دكتوراة الخويطر للكثير من السعوديين، وأنا منهم، في أن نسير سيره ونحذو حذوه لكي نصبح أساتذة في الجامعات السعودية القائمة آنذاك. واليوم أصبح لدينا الآلاف من حملة الدكتوراة، لكن أين منهم من وصل إلى مستوى الدكتور الخويطر ثقافة وعلما وإخلاصا لأمته ولعمله. وشاءت إرادة الله أن أكون زميلا له في العمل بعد أن كنت أحلم فقط بشهادته العالية. جمعني مجلس الوزراء مع عميد الجامعيين وعميد الوزراء وشيخهم في عام 1416ه، وعملت تحت إدارته عضوا في اللجنة العامة للمجلس لمدة ثماني سنوات. ما وصلت إليه عن قناعة عن هذا الرجل الفذ هو أنه: * رجل دولة من الطراز الأول. * إداري محنك، وسياسي متى ما أراد أن يتخذ القرار ويصل إلى النتائج التي يريد. * يبدأ اجتماعاته الرسمية التي يرأسها، وهي كثيرة، بكسر الجليد بطرفة من الحديث، أو خبر تدار له الرؤوس. * يعطي الجميع فرصة الحديث، ويطفئ اللهيب إذا ما اشتدت حرارة الحديث وتأزم المتحدثون حول موضوع مثار. لي الحق بأن أفخر بأستاذي الخويطر فهو: * علم في تخصصه التاريخ الذي يسجله بأمانة وبتحليل لأحداثه يعتمد فيها المنطق بعيدا عن مجاملة بعض المؤرخين بل ونفاق بعضهم. * وهو أستاذي الذي أرى فيه عمق التفكير وسلامة القول ونزاهة الرأي. * هو المؤلف البارع الذي سجل فكره وقلمه مدرسة في غزارة المعلومة إلى جانب الفحص والتمحيص للتأكد من أن ما يكتبه يستجيب لعقل القارئ والباحث بعيدا عن التأجيج والتهييج. * هو مجموعة من خيار الناس من شخص واحد: يقدم العون لمن يستحقه بدون حدود. ويدفع من يريد استلاب حق بإقناع وأدب جم. لا يستغل قوته متى ما شعر بضعف من أمامه، بل إنه يعزز موقف الضعيف حتى يحقق له مطلبه. أستاذ أساتذة الجامعات، تنقل في عدة مراكز ومسؤوليات حكومية كان خلالها مثالا للمسؤول الأمين النزيه، أبيض اليد والوجه، كان مستشارا للملوك وحاملا ثقتهم ورسائلهم إلى زعماء تميز بعضهم بالمكر والدهاء، ولكن الخويطر كان يعرف كيف يستلب منهم ما يريد وما يفرضه منطق المهمة المكلف بها. المؤلف البارع، المؤرخ، الأديب المثقف، المحاور اللبق عبدالعزيز الخويطر أبرز موثقي التاريخ في عصرنا هذا أغنى المكتبات السعودية والعربية بمؤلفات شتى. مؤلفاته تحمل في طياتها التاريخ، والجغرافيا، والأدب والشعر، والقصة والطرفة، والسياسة والإدارة. حدثته يوما عن كتابه «وسم على أديم الزمن» وهو دائما حريص على إرسال كل إصدار جديد منه إلي.. سألته: «كم تنوي أن تصدر من أجزاء هذا الكتاب الموسوعة؟»، كان ذلك بعد إصدار الجزء السادس عشر الذي يتحدث فيه عن أحداث الفترة من 1383 إلى 1385ه، أجابني: «ربما يتجاوز الأربعين جزءا»، واليوم وقد وصلني منه قبل مرضه الجزء «السادس والثلاثون»، والذي يحكي أحداث العام 1419ه، أرجو أن يهتم ابنه محمد وأسرته بمكتبة والدهم وتكملة ما بقي من هذه «السيرة الذاتية» الغنية التي أجزم أنه رحمه الله قد أنجز مسودات الكثير من أجزائها الباقية. * رحمك الله أيها الإنسان النبيل. * رحمك الله يا أبا محمد، إلى جنة الخلد إن شاء الله. لقد خدمت وطنك بإخلاص، فحق لك أن تحظى بقول «الفيصل» رحمه الله «حافظوا على الخويطر فإنه ثروة وطنية». حق علينا أبناء هذا الوطن أن تبقى ذكرى الدكتور الخويطر في حياتنا جيلا بعد جيل، وأن تخلد هذه الذكرى في مؤسسة ثقافية تحمل اسمه.