في عام 1905م دعا حزب المحافظين البريطاني بشكل سري لعقد مؤتمر الهدف منه «إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول وقت ممكن»، وشاركت في حضور المؤتمر كل من: بريطانبا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا. واستمر انعقاد المؤتمر (مؤتمر لندن) من عام 1905م إلى عام 1907م. وشاركت في المؤتمر لجنة من الدول الحضور مؤلفة من كبار علماء الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والزراعة والاجتماع والبترول. وقد اتفق المؤتمرون على أن «البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات، والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان» (المقصود الشعب العربي). وفي عام 1907م قدم المؤتمر توصيات سرية وعاجلة لرئيس وزراء بريطانيا، كامبل بنرمان، الذي ينتمي لحزب الأحرار الحاكم حينئذ، ومنها التوصية (الوثيقة فيما بعد) التالية: «إن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة». وفي النهاية خرج المؤتمرون بتوصيات متضمنة التوصية هذه وأسموها «وثيقة كامبل». وقد سبق هذا المؤتمر وإقرار وثيقة كامبل، المؤتمر الصهيوني المنعقد في مدينة بازل في سويسرا عام 1897م لغرض إقامة وطن يهودي لجميع يهود العالم، وكان هدف المؤتمر الصهيوني: فلسطين. نتيجة ذلك حاول الزعيم الصهيوني ثيودورهرتزل إغراء السلطان عبد الحميد بالمال والامتيازات مقابل أن يسمح لهم بتحقيق مطلبهم في فلسطين، لكنه رفض ذلك. فاتفقت بريطانيا وفرنسا سرا أثناء الحرب العالمية الأولى في مايو 1916م على تقسيم البلاد العربية بينهما واستعمارها فيما عرف بمعاهدة سايكس بيكو. والملاحظ أن وثيقة كامبل هي المخطط الأساسي (الأول) لاحتلال فلسطين، وربما كان المطلب الصهيوني في ذاكرة دول مؤتمر لندن (1905م 1907م). فقد تلقف الصهيوني حاييم وايزمان والمنظمة الصهيونية وثيقة كامبل واتفقوا مع بريطانيا على أن يكون اليهود هم «الجسم الغريب» المذكور في الوثيقة، فصدر بعدئذ وعد بلفور البريطاني في 2/11/1417م بإقامة وطن لليهود في فلسطين وأعطيت لهم بموجب قرار الأممالمتحدة رقم 181 الصادر في 29/11/1947م. وكون الأممالمتحدة حينئذ واقعة تحت التأثير والهيمنة الأوروبية/ الغربية، فقد هيأ ذلك قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م. ومنذ ذلك الحين والعرب منشغلون بقضية فلسطين، وإسرائيل مع الوقت وخلال الحروب وإلى اليوم تحتل شيئا فشيئا مزيدا من الأراضي الفلسطينية وعلى مرأى من الغرب وموافقته، إن لم تكن علنية فهي ضمنية. وإسرائيل لأنها قامت نتيجة لإستراتيجية غربية وتخدم مصالح الدول الغربية فإن هذه الدول لا تقبل زوال إسرائيل. وكل ما تقوله أو تعمله الدول الغربية تجاه فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي هو لكسب الوقت أملا في أن يرضخ العرب بما فيهم الفلسطينيون للواقع الذي فيه تقوم إسرائيل بمزيد من التوسع وبذلك ثبات للأهداف الإستراتيجية كما نصت عليها وثيقة كامبل .. والله أعلم.