تحتفل إسرائيل اليوم الخميس 15مايو من عامنا الحالي 2008م بمرور ستين عاماً على إنشائها بالتمام والكمال، وينصرف اهتمامها إلى مستوى الحضور الدولي لهذا الاحتفال، الذي يتقدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش والعديد من زعماء الدول الأوروبية لتضفي على الاحتفال مظاهر الأبهة. الحقيقة أن إسرائيل لا تريد فقط الجانب الدعائي على قيامها منذ ستين عاماً على قواعد الدول الغربية وانما تسعى أيضاً إلى إضفاء شرعية زائفة جديدة بجعل إسرائيل تتمتع بالنقاء الذي يتحقق بجعلها دولة يهودية خالصة. وفي سبيل ذلك توجه الحضور إلى الاحتفال بقيامها من ستين عاماً إلى دعم مطالباتها بأن تصبح دولة يهودية لا يتمتع بجنسيتها إلا اليهود باعتبارها الوطن القومي اليهودي الذي كان سبباً في قيام هذه الدولة على أرض فلسطين بعد اغتصاب هذه الأرض من أصحابها في 15مايو من عام 1948م. تؤكد الوثائق التي تحت أيدينا بأن إسرائيل تريد بعد الاعتراف الدولي بوجودها على أرض الغير أنها تسعى اليوم إلى الحصول على الاعتراف الدولي بحقها المطلق في تصفية القضية الفلسطينية من خلال نكران حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم باعتبار إسرائيل دولة يهودية ويدفعها إلى هذه المطالبة الآن الحشد الدولي الذي جاء إليها للاحتفال معها بمرور ستين عاماً على قيامها، وهذا المطلب الإسرائيلي ليس بجديد وأيده الغرب أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، وكان أبرز هذا التأييد ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في العقبة عام 2004م الذي أيد فيه حق إسرائيل المطلق في دولة يهودية خالصة. في ظل هذا الواقع الراهن تحت مظلة الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيام إسرائيل، نذكر بأن الزعيم الصهيوني وايزمان اقترح بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918م على مؤتمر السلام بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية بكل ما يتطلبه ذلك من طرد للعرب الفلسطينيين من ديارهم واجبارهم على السكنى في الدول العربية المجاورة وجاء هذا الاقتراح للزعيم الصهيوني وايزمان قبل قيام الدولة الإسرائيلية بثلاثين عاماً ويسبق هذا المطلب مؤتمر بازل في سويسرا الذي عقد عام 1898م برئاسة ثيدور هرتزل الذي قرر بأن قيام إسرائيل سيتم بعد خمسين عاماً، وتم ما أراد لوجود تخطيط محكم ساعد على وضعه وتنفيذه بريطانيا التي تولت الانتداب على فلسطين وعملت على تنفيذ وعد ارثر بولفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ويقول ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي إن المطالبة بجعل إسرائيل وطناً لليهود وحدهم يجد جذوره التاريخية في الوعد بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. بدأت موجات الهجرة الصهيونية الأولى إلى فلسطين من روسيا وقامت مع وصولها حركة واسعة تهدف إلى إنشاء المستوطنات اليهودية، وقد حكم هذا التحرك أن الأرض التي يستولون عليها تصبح ملكاً للشعب اليهودي ولا تعود اطلاقاً إلى أصحابها الأصليين من الفلسطينيين مع وضع الضوابط الصارمة التي تمنع الفلسطينيين أيضاً من العمل على هذه الأرض التي تم الاستيلاء عليها ووقف كل سبل التعامل الاقتصادي بين الإسرائيليين اليهود وبين العرب الفلسطينيين. لا شك أن تجربة ستين عاماً من الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية قد أدت إلى ضرب النمو الحضاري للعرب والمسلمين تحت وطأة انشغالهم الدائم بمشكلة المطالب الإسرائيلية الرامية إلى استنزاف طاقاتهم وجهودهم حتى يظل العرب والمسلمون في حالة ضعف دائم في مواجهة إسرائيل التي تتلقى بشكل دائم ومستمر العون والمساعدة من الدول الغربية. وهذا أدى إلى عدم قدرة فلسطين والعرب والمسلمين إلى تشكيل استراتيجية لمواجهة الخطر الصهيوني المدعوم من الغرب على أساس أن إسرائيل مهددة دائماً، وأن حالة الحرب مع العرب دائمة ومستمرة ويفسر ذلك جنرالات إسرائيل بأن الحرب مع العرب سببها اختلاف التوجه بين إسرائيل ذات الفكر الغربي وبين العرب الذين لا يزالون يمرون إلى الآن في تجربة التحديث بهذا الفهم الخطير الذي تؤمن به إسرائيل، فإن نظرية الأمن تعني أن كل الدولة الإسرائيلية تشكل منطقة حدودية وهذا يجعلها تمنع بشدة قيام أي حرب في داخل العمق الإسرائيلي ولجوءها دائماً إلى الحرب الخاطفة حتى تتجنب حالة حرب لفترة طويلة لأنها عاجزة عن التعبئة العامة لما في ذلك من أضرار بحياتها الاقتصادية. إن الدولة العلية العثمانية التي كانت تبسط نفوذا على العالمين العربي والإسلامي أصبحت الرجل المريض في بداية القرن العشرين وتحالف الدول الغربية على وراثة ممتلكاته، وعقد في سبيل ذلك مؤتمر لندن الاستعماري خلال الفترة ( 1905إلى 1907) ومن ضمن هذا الإرث الأخذ بطلب اليهود إنشاء الدولة الإسرائيلية في فلسطين حسبما جاء في ما رفع إلى رئيس الوزارة البريطانية كامبل بترمان لتكون صديقة حميمة للدول الأوروبية الغربية وعدوة للدول العربية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وتحدد بذلك مفهوم خاص للأمن القومي الإسرائيلي يختلف تماماً عن مفاهيم الأمن القومي في الدول الأخرى المختلفة، لأن له تطلعات تهدف إلى الاستعمار الاستيطاني فوق الأرض العربية الفلسطينية. إن الاحتفالات بمرور ستين عاماً على قيام إسرائيل بالأهداف التي يرمي إليها يجعل من المستحيل الوصول إلى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي قبل نهاية العام الحالي 2008م ذلك لأن الظروف التي يتم التفاوض تحت مظلتها تفرض عدم التكافؤ بين إسرائيل القوية التي تعمل على فرض إرادتها وبين الفلسطينيين الضعفاء الذين يُملى عليهم إرادة تل أبيب بدعم وتأييد من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ورثت نفوذ بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، ومعنى ذلك أن إسرائيل ستعمل على فرض إرادتها على الفلسطينيين يساعدها على ذلك بجانب الدول الغربية الانشقاق القائم في داخل فلسطين بالفرقة الحاصلة بين فتح وبين حماس مما يجعل الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيام إسرائيل نكبة على المفاوضات مع الفلسطينيين.