«مصر تتجه نحو الاستقرار».. ربما يكون هذا عنوانا أو حلما أو قراءة مستقبلية، لا فرق، بالأمس نجحت القوات المصرية في قتل شادي المنيعي زعيم تنظيم أنصار بيت المقدس الذي أعلن مسؤوليته عن كثير من الدم المصري المراق بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين وعزل محمد مرسي، وبالأمس أعلنت مصر أيضا القبض على ثماني مجموعات إرهابية كانت تخطط لاستهداف المصريين أمام صناديق الاقتراع بعد غد عندما يتوجهون لاختيار رئيسهم المقبل. وقبلها وجه المصريون في الخارج صفعة قوية لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بكثافة التصويت غير المسبوق في سفارات وقنصليات مصر في الخارج، وأعطوا مؤشرا واضحا لإقبال كبير سيكون في الداخل، وهم بذلك يعلنون دق المسمار الأخير في نعش جماعة الإخوان المسلمين، التي كان فلولها وبقاياها يراهنون على أن الشارع المصري سيقف معهم وسيقاطع الانتخابات، متوهمين أنهم مع الشرعية التي سلبت منهم، ولن يصطفوا طوابير أمام صناديق الاقتراع بحثا عن شرعية جديدة. هذا الوهم الذي عاش عليه جماعة الإخوان وأنصارهم، قضى المصريون عليه قضاء مبرما بتوجههم للمراكز الانتخابية والإدلاء بأصواتهم بكثافة. لقد اختار مصريو الخارج مرشحهم الرئاسي الأقوى المشير عبدالفتاح السيسي، الرجل الذي وقف بجانبهم في 30/6 وأعلن بيانه الفصل في 3/7 بعزل مرسي عن عرش مصر، وإنهاء حقبة الإخوان فيها. السيسي يمثل الخيار الأفضل بالنسبة للمصريين من وجهة نظري لعدة اعتبارات، فامتنانهم له على ما قدمه لمصر وللمصريين خلال الثورة وما تلاها من أحداث، وتسليمه حكم مصر للمحكمة الدستورية وإعلان خارطة طريق للانتخابات البرلمانية والرئاسية كما ينص الدستور المصري، وعمله على تحسين علاقاته الخارجية مع الدول المؤثرة، ووقوف المؤسسة الأكثر التزاما وتأثيرا في مصر «الجيش» خلفه، وبرنامجه الانتخابي المتوازن وغير المفرط في التفاؤل، جميعها عناصر تعزز حظوظ المشير السيسي في اكتساح منافسه على الرئاسة حمدين صباحي، وهذا ما سيحدث. انتصار المشير السيسي على جماعة الإخوان انتصار حقيقي لمصر وللمنطقة ولسلام العالم، وإقصاء جماعات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية المسلحة الموالية لها والحامية لها والأذرع الانتقامية لها بعد سقوطها وفشلها في الحكم، انتصار للشعوب قبل أن يكون انتصارا لأنظمة حاكمة ثورية أو انقلابية أو سمها ما شئت. وغرب مصر وعبر حدود برية تمتد بطول 1.150 كم، تظهر ملامح ميلاد «سيسي جديد» في ليبيا، ولد من رحم الجيش أيضا، هو اللواء الركن خليفة حفتر الذي أطلق عملية الكرامة للقضاء على الفوضى الأمنية وانتشار السلاح وهيمنة الجماعات الإرهابية المتطرفة على مفاصل البلاد ومقدراتها النفطية وغيرها، ومحاولات إخوان ليبيا السيطرة على الحكومة عبر تمرير رجل الأعمال أحمد معيتيق المدعوم من الإخوان المسلمين رئيسا لها رغم عدم اكتمال نصاب البرلمان. اللواء حفتر أعلن عن رغبة الجيش الوطني في استمرار الحياة المدنية، واستقرار الحياة السياسية والأمنية في ليبيا، وطالب المجلس الأعلى للقضاء بتكليف مجلس أعلى لرئاسة الدولة مدنيا، تكون مهامه تكليف حكومة طوارئ لتصريف الأعمال، والإشراف على مرحلة الانتخابات البرلمانية القادمة، وتسليم السلطة للبرلمان المنتخب، مع استمرار المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة في حماية هذه الفترة الانتقالية، وحماية ليبيا وشعبها، والحفاظ على مقدراتها وثرواتها، وهو ما يجعل من اللواء حفتر في ليبيا تكرارا لما قام به المشير السيسي في مصر بامتياز. ولو نجح حفتر في القضاء على الإرهاب والجماعات المتطرفة التي زجت بها جماعة الإخوان المسلمين في مدن ليبيا، سيتمكن من بناء الدولة المدنية التي يستحقها الليبيون، والتي لم تسقط بعد سقوط القذافي؛ لأنها لم تكن موجودة خلال حكم القذافي أصلا، والذي عمل على مدى أربعة عقود على عدم بناء دولة، وما حدث في ليبيا بعد سقوط معمر القذافي أكبر دليل على أنه لم تكن هناك دولة بالمفهوم الحقيقي السياسي والاقتصادي والمدني للدولة المعاصرة. ولو نجح اللواء حفتر في القضاء على أمل جماعة الإخوان المسلمين في العودة إلى المشهد السياسي عبر بوابة ليبيا، سيكون قد أهدى للمنطقة وللعالم نصرا جديدا يستحق التقدير والدعم.