تقديم وترجمة سعيد بوكرامي الشاعر الايطالي الكبير ألفونسو غاتو شخصية متعددة، فهو رسام وروائي وناقد فني وشاعر ومسرحي وممثل في أفلام باولو بازوليني وفرانشيسكو روسي وماريو مونشيلي. كان غاتو كل هؤلاء، لكنه بقي دائما حاملا لجراح الحرب العالمية وصراعه مع الفاشية. ألفونسو غاتو واحد من أعظم الشعراء الإيطاليين في القرن العشرين مثل ماريو وزي، فيتوريو سيريني وغيرهما. ينتمي الى الجيل الثاني من الشعراء الايطاليين بعد جيل جوزيبي أونغاريتي، أوجينيو مونتالي وسلفاتوري كواسيمودو الذين تأثروا جميعهم بالمدرسة الرمزية الفرنسية. لكن غاتو القادم إلى الشعر من الجنوب والبحر كانت حساسيته تميل نحو السوريالية والكتابة التلقائية الحالمة المشبعة بالكلمات المرقشة بألوان تجربته التشكيلية. إيمانه بالإنسان والحياة يمتزجان بنوع من اليأس والخوف من الزوال الفاجع. هذا المزيج يجعل شعره فريدا يهيمن عليه موضوع الموت. شعر يستحم في محيط شفقي، عن رتابة ما يحدث في هذه الحياة، نوع من الأنين الصامت لرجل وحيد فجع في والده أولا ثم في ابنه. يكتب غاتو الشعر بدون أوهام، لا ينتظر شيئا من العدم. ولد ألفونسو غاتو في ساليرنو في 17 يوليو 1909. تتكون عائلته من بحارة وتجار صغار جاءوا من كالابريا. كانت طفولته ومراهقته مضطربة. أنهى دراسته الثانوية في ساليرنو ثم التحق بجامعة نابولي في عام 1926 لكنه اصضر إلى التخلي عن دراسته بعد بضع سنوات بسبب الصعوبات الاقتصادية، ودون أن يحصل على شهادة التخرج. ومنذ هذه الفترة، ستصبح حياته غير مستقرة، وقلقة ومغامرة، ودائمة الترحال، سافر كثيرا بحثا عن عمل. اشتغل، كموظف في محل لبيع الكتب، ثم مدرسا ومدققا لغويا في دار للنشر، وصحفيا. اعتقل في سنة 1934 بسبب أفكاره المعادية للفاشية. سيفرج عنه بعد ذلك. سيشتغل متعاونا ومحررا لعدد من المجلات والجرائد. ونظرا لسمعته وتعدد تجاربه سيحصل على تعيين كأستاذ للأدب الإيطالي سنة 1941. وبين التدريس والصحافة والكتابة والرسم. قضى غاتو مشواره الأدبي والفني بتألق كبير. حصل على جوائز عديدة عن دواوينه أو مجموع أعماله. توفي الشاعر في الثامن من مارس سنة 1976 بمدينة أوربيتيلو. من بين دواوينه: عزلة 1931 - موت في الوطن 1937 - شاطئ الفقراء 1944 - الأم والموت 1959 - تاريخ الضحايا 1966 - قوافي رحلة في الأرض المرسومة 1969. مجرد ذكرى كنا نظن أننا التقينا صدفة في هذه الساعة المنسية كانت المحطة صفراء وخضراء. دراج ، ضل طريقه يشرب الذكريات في أعماق عينيه. لكن كل شيء خالد لمن يعبرون حتى الاسم الذي سمعناه ذات مرة. إلى أبي إذا عدت الليلة إلى جانبي لنمشي على طول الشارع، حيث الظل الأزرق يحط كما لو أننا حقا في فصل الربيع لأقول لك كيف أن العالم مظلم وكيف أن في أحلامنا المتحررة، ستشرق الآمال، والفقراء والسماء، سأستعيد دموع الأطفال وابتسامة عينين واسعتين سوداوين، كسنونو البحر. يكفي أنك مازلت حيا، حلم أن يعيش رجل بمثل قلبك. اليوم، ذكراك ظل، لهذه الأرض. صوتك القائل لأطفالك: «كم هي جميلة هذه الليلة وكم هو طيب أن نحب بعضنا هكذا... من فيض الهواء إلى عمق النوم» كنت ترى العالم في خطوة البدر العذب نحو السماء، في سير الرجال نحو الفجر. مرثية الليل ربما ذكراي الوحيدة: غبطتك في المنزل هناك حيث المساء يجلب رائحة الأرض وضوء الليل الهادئ، هذا صوتك الحقيقي حينما كنت فتى تتحدث ضاحكا مداعبا الأطفال في عينيك ليال شفافة وحفيف النجوم الساطعة. تحجب الواجهات المنازل البيضاء، فسقية ترتعش بمائها الوحيد المترقرق والمدينة تبسط عتباتها صوب البحر البعيد. إنها روح تحلق. ودون أن تعلم، كنت تنذرنا لغناء الرجل التائه، الذي يختفي داخل الساحة الشاغرة دون أن نتوقع أذى الموت. النوم للحفيف الناذر وداع معلن. رماد ما نجهله، كأنه حلم، كالمطر ينزل المساء في القلب. البرد يركز الضوء على الأشياء، البؤس اللا نهائي للصحف المهجورة في الشوارع، أسماء، أحداث ضائعة وقعت للتو، فصارت رمادا. ما نجهله، كأنه قطار وحيد في عالم يغص بالأشباح تلامس منازل الضباب: في البعيد رنين الأجراس، وعربة ليال هادئة. ما نجهله، كالبرد، مثل الثلج المتساقط فوق القبور. نسمع الرياح تهمس للأشياء أن الظل يجعلها وحيدة. ما نجهله، ربما الوجه، وجهنا الذي سيختمه الموت ذات يوم بصمته: أسماء، أحداث ضائعة وقعت للتو، فصارت رمادا. مدينة ساليرنو مسقط رأس الشاعر ألفونسو غاتو مرثية الأب المهزوم في النوم المظلم والبعيد، الطفل يوقظك بكفه يولد من جديد في حلمك، فيستدعي ذكريات الصبا عندما كان يركض في عينيك، حزينا لمظهره المؤسي لا يريدك أن تفكر أن الموت ظلمة أبدية. كانت السماء في الجوار أكثر وداعة، بأنفاس وإيقاع الليل ستحملني بين ذراعيك إلى رطوبة الربيع النائم. ربما هو الموت، في ذكرى الصوت الأخير لأفول النهار.