قرأت خلال تواجدي خارج المملكة مؤخرا، مقالا في جريدة نيويورك تايمز الدولية -التي تغير اسمها مؤخرا من إنترناشيونال هارولد تريبون- إلى الاسم الجديد، في العدد الصادر في 12/13 أبريل مقالا مثيرا للاهتمام في موضوعه وكتابه، حيث لم يسبق لي الاطلاع على فكرة مماثلة تتناول إيران وإسرائيل بهذا المضمون والتحليل. وموضوع المقال، هل إيران وإسرائيل يتبادلان المواقع أو الأماكن بقلم كل من عباس ميلاني، وإسرائيل وايزمل مانور. ويبدأ الكاتبان بأنه بالرغم من أن كلا من إسرائيل وإيران في حالة حرب لعقود طويلة إلا أن كليهما لديه الكثير من القواسم المشتركة والتشابه. وبداية يقول الكاتبان إن كليهما لديه تاريخ وحضارة قديمة وإنهما ليستا دولتين عربيتين في محيط عربي. ويستطردان قائلين: إن كلا من الشاه السابق محمد رضا بهلوي وديفيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق كانا من أكبر المدافعين والمعتنقين للعلمانية الوطنية SECULAR NATIOLOLISM والأول مارس التمدن السلطوي AUTHORITARIAN MODERNIZATION بينما طور الثاني وقدم الصهيونية اللادينية. وبسبب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 والتي اعتنقت الإسلام المتعصب وخبتت العلمانية السياسية في إيران، وقال كلا الكاتبين إن كلا من إيران وإسرائيل بدآ في الدخول إلى مرحلة تحول حاسمة في علاقاتهم بالخارج. وكما نعلم فإن مجلس الأمن قد فرض عقوبات على إيران بهدف إيقاف برنامجها النووي ويشير المقال إلى أنه ولسنوات، فإن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بدأ تحامله ضد «الشيطان الأكبر» ومن جهة أخرى فإنه بالرغم من أن آية الله علي خامنئي لا يزال ضد محاولات الإصلاح إلا أنه من الظاهر أن البعض من المسؤولين داخل إيران قد أدركوا مؤخرا بأن استمرار سياسة التعنت والعدائية ستؤدي إلى مزيد من العقوبات والتي ستؤدي بدورها إلى نتائج اقتصادية كارثية. وفي هذه المرحلة من المقال أود الإشارة إلى أن الكاتب يعتمد بشكل أساسي على هذا المقال كمصدر للتحليل ونقل الأفكار التي احتواها، حيث إن فكرة هذا المقال أصيلة، ولذا فإن الكاتب حين يقوم بالترجمة حينا والتصرف في الصياغة حينا آخر، فلا بد من الرجوع إلى مصدر المقال الذي وددت أن أشارك القارئ العربي في هذا الموضوع المثير للجدل وأهدافه ونتائجه. ويشير الكاتبان إلى أنه عندما بدأت التغيرات تحدث في إيران بدأ الديمقراطيون العلمانيون في إسرائيل من جهة أخرى يفقدون قوتهم وتعددهم لصالح المتعصبين الدينيين وكذلك لليمين المتطرف الذي أصبح لا يتوانى عن مهاجمة ونقد الولاياتالمتحدةالأمريكية، الحليف الأساس لإسرائيل. والأمثلة على ذلك النقد الإسرائيلي اللاذع، ذلك الذي تفوه به وزير الدفاع الإسرائيلي تجاه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وكذلك النقد الذي وجهه وزير الاقتصاد الإسرائيلي للسيد كيري على حد سواء. ويشير المقال إلى أن هناك قلقا متزايدا من قبل الديمقراطيين العلمانيين والمقصود هنا بكلمة علماني هو «لا ديني»، ومن أن هنالك تشابها غير مريح لم يحدث في إسرائيل وبما حدث في إيران في الماضي القريب. ومرة ثانية يتحدث الكاتبان، بأن الذي مكن إيران من الاستمرار بسهولة ويسر وبقاء القيادة الحالية منذ قيام الثورة هي موارد الثروة البترولية، ولكن منذ سنوات قليلة بدأت العقوبات الدولية تضيق الخناق على الاقتصاد الإيراني وكافة مناحي حياة الشعب الإيراني.. ولقد أتت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بالرئيس روحاني والذي يطلق عليه بأنه رجل عملي PRAGMATIC عوضا عن الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي كانت خطبه وتصريحاته تتسم بالعدائية اللفظية. وكان الرئيس روحاني قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإصلاح الاقتصاد الإيراني المتداعي وإعادة العلاقات مع الغرب. ويضيف المقال أن المرأة في إيران أصبحت ومنذ فترة تحتل مكانا علميا في مجال الهندسة والعلوم بالإضافة إلى أن البعض منهن يعملن في أبحاث النشر ومجال الهندسة والعلوم بالإضافة إلى العمل في القطاع الخاص والمشاريع الخاصة. ويجب ألا يغيب عن الذهن، أن معظم القيادات التي تولت إدارة إيران منذ عهد الخوميني من رجال دين كبار السن ولكن الآن، يطالب العديد من المفكرين والمثقفين الإيرانيين والذين كانوا مع الحكومة الإيرانية ذات الاتجاه الديني، أصبحوا يطالبون بمزيد من الإصلاحات التي تماثل بعض الأنظمة الغربية. وذكر الكاتبان، بأن حوالى الستين في المائة من الشعب الإيراني الآن هو دون سن الثلاثين، ومعظمهم ينادون بالحرية الفردية في المجتمع. وفي ذات السياق، فإن آية الله علي خامنئي أشار في أحد اجتماعاته مع رجال الدين هناك -ووفق ذلك المقال- إلى أن أكبر ما يقلقه الآن هو الغزو الثقافي غير الإسلامي لبلاده.. وقياسا فإن العديد من الإيرانيين المعتدلين وبعض القيادات، وبحذر، أصبحوا ذوي ميول غربية ونهج عملي.. ومن جهة أخرى، نجد أنه في إسرائيل، أضحى العديد من المواطنين يبتعدون عن ذلك النهج.. وإذا كانت إسرائيل وخلال العقود السابقة قد شهدت تحولا من الصقور إلى الحمائم والعكس، حيث كان ذلك يعتمد على الأيدلوجية السياسية السائدة في تلك الأوقات تجاه الحرب أو السلام. والذي يتحدث عنه كل من المؤلف ميلان ومانور من تحول جديد غير ذي سابقة في إسرائيل وهذا التحول ديني ومن خلال التركيبة السكانية الاجتماعية في إسرائيل ولأول مرة بهذا الشكل، ولذا فإن كليهما يرى أن هذا التحول هو تحول نوعي.. وبالرغم من أن الأحزاب الإسرائيلية الأرثوذكسية -بمعنى المحافظة دينيا- اليهودية ليست طرفا في الحكومة الحالية في اسرائيل الا ان الاحزاب اليمينية الاسرائيلية تحتل ما نسبته حوالى 25% من المقاعد لدى الكنيست الإسرائيلي، ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الأحزاب الأرثوذكسية، في مجال التحول الديمغرافي الكبير في إسرائيل، كانت نسبة المواليد بها 6.2% طفل مقارنة بباقي شرائح الشعب الإسرائيلي بنسبة 2.6% طفل، الأمر الذي يرى فيه المؤلفان أن الأحزاب الأرثوذكسية قد اقتربت من تحقيق أهدافها من خلال الزيادة العددية وبالتالي زيادة التمثيل النيابي في الكنيست وبالتالي الأغلبية. وبمقارنة نسبة المواليد في إيران مع إسرائيل، وجد الكاتبان أن نسبة المواليد في إيران في هبوط.. والذي قد يفرز الاستنتاج بأن التوجه أصبح ينحو نحو دولة علمانية لا دينية في إيران!. ويستنتج الكاتبان أيضا أن إسرائيل، على الصعيد السياسي، إذا استمر بها هذا التحول واستمرارها في بناء المستوطنات من جهة وعدم المضي في التفاوض الجدلي مع الفلسطينيين نحو الحل الشامل فإن النتيجة الحتمية ستكون وخيمة على إسرائيل وليس ذلك بسبب تطوير إيران لقدراتها النووية بل بسبب العقوبات التي سوف تفرض على إسرائيل، والعزلة التي وضعت نفسها بها، حيث إن هنالك ومنذ زمن اهتماما متناميا لحقوق الإنسان في الدول الغربية وأمريكا ومن أن خرق حقوق الإنسان ومنها الاحتلال يعد خرقا للعادات والقيم الغربية.. لدرجة أن بعض الأمريكيين من ذوي الديانة اليهودية أشاروا إلى أن هنالك قلقا وشدا جوهريا بين قيمهم الليبرالية وبين السياسات الإسرائيلية الحالية، أضف إلى ذلك فإن فناء الجيل القديم من اليهود الأمريكيين وزيادة التزاوج بين الأديان المختلفة في أمريكا يعني بأن اللوبي الإسرائيلي المؤيد لإسرائيل في أمريكا لن يكون بذات الحجم السابق ولن يبقى موحدا كما كان في السابق. ومن الجدير ذكره هنا في نهاية مقال اليوم، وكما ورد في مقال البحث هنا، أن العديد من رؤساء أمريكا بدءا من ليندون جونسون، (وكاتب المقال يعتقد أنه ومنذ عهد الرئيس هاري ترومان) وحتى عهد الرئيس أوباما، قد أعلنوا مرارا وتكرارا، بأن التزام الولاياتالمتحدة تجاه إسرائيل منبثق من المصالح الاستراتيجية بينهما وكذلك مشاركتهم في نفس القيم.. ويزيد الكاتبان هنا من أنه بعد جيل أو أكثر لن تبقى سوى المصالح!! بمعنى أن القيم المشتركة بين كل من إسرائيل وأمريكا بدأت مع مرور الزمن والاختلاف الأيدلوجي والديمغرافي، قد بدأت تنمحي وتتحلل. وبالانتقال إلى البعد الإيراني، يشير المقال إلى أن هنالك أكثر من خمسة إلى سبعة ملايين إيراني يعيشون في المنفى وأن إنجازاتهم الثقافية والعلمية والأكاديمية أصبحت معروفة في أمريكا الآن وأضحوا يركزون أنفسهم بشكل كبير في المجتمع الأمريكي، ويضيف بأنه كما ساعد يهود الشتات DIASPORA دولة إسرائيل في النهوض والنمو والتصنيع، فإن ايرانيي الشتات أيضا سوف يساعدون يوما إيران ويقومون بنفس الدور.. وإذا ما فشل المعتدلون في إيران في دفع البلاد نحو الإصلاح من جهة وإذا فشلت إسرائيل من جهة أخرى كدولة علمانية في كبح التحول من الديمقراطية العلمانية نحو THEOCRACY -حكومة دينية- فإن كليهما -إيران وإسرائيل- ستجدان نفسيهما وبشكل متزايد تحققان نبوءتهما الحتمية. وبنهاية هذا المقال فإن الكاتب يسرد بعض النتائج والاستنتاجات كالتالي: 1- من المثير للاهتمام أن هذا المقال قام بتأليفه كاتب إيراني، كما يبدو من اسمه، وكاتب إسرائيل وكلاهما يدرس في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا بأمريكا ولا بد أن أشير إلى أن توقيت كتابة هذا المقال لا يخلو من التساؤل.. 2- مهما حدث من إصلاحات في إيران فإن وجود المرشد الأعلى والحرس الثوري سيحول دون حدوث أي تغيير جوهري في سياسات وتوجهات إيران وقد يكون ما تقوم به إيران حاليا هو مجرد «مساحيق» للتجميل ولكن يبقى الأساس في إيران وفق ما خطه ووضعه آية الله خوميني.. 3- وأما فيما يتعلق بإسرائيل ومن أن الجهة المسيطرة على مجرى الأحداث في إسرائيل هم المتطرفون الدينيون واليمين المتطرف فهذا صحيح... وسيستمر لردح من الزمن، الأمر الذي سيحول دون حدوث افتراق اسكاني بالمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ومن جهة أخرى سيزيد أيضا من احتمالات نزاع مسلح بين إسرائيل وإيران. 4- يجب على الدول الغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية أن تدرك أن كلا من إسرائيل وإيران تتماثلان في عدم الرغبة في إصلاح الوضع الراهن، وكلاهما بسبب الأيدلوجية الدينية لهما ومن أن التعصب سواء أكان سياسيا أم دينيا لن يؤدي إلى نتائج عقلانية ترضي جميع الأطراف. 5- مما لا شك فيه أن كاتبي المقال تناولا موضوعا جديد المنحى والتحليل والاستنتاج، وبحسب علمي هي رؤية متعمقة في الشأن الإسرائيلي والإيراني ولعل كون كل منهما ينتمي إلى كل من إيران وإسرائيل، مع وجود الخلفية الأكاديمية والرؤية لواقع الأمور في كلا البلدين وكذلك البعد التاريخي والسياسي، أعطى هذا المقال قدرا كبيرا من الجدية، الأمر الذي دفعني أن أكتب عنه وأشارك القارئ في معلومات هذا المقال الهام.. 6- وأخيرا أتذكر بأنني كنت قد كلفت بمرافقة رئيس وزراء إحدى الدول الآسيوية وكنت بجواره في الطائرة وأتى الحديث عن إيران، وقال لي بأنه لا يوجد في العالم دولة تماثل إيران، فقلت كيف؟ قال إيران هي الدولة الوحيدة التي بها حكومتان، وجيشان وسلاحا طيران وبحرية وجيش تقليدي وجيش ثوري والاستخبارات كذلك وكافة مناحي الحياة في إيران..!