لم يكن ملعب الجوهرة في جدة افتتح بعد حين هوت بعض بواباته جذاذا عصر الخميس قبل الماضي بركلات أول العابرين إليه من الجماهير التي كانت من قبل تطالب بمثله في جدة، وحين انقضى الافتتاح كانت بعض مرافقه تنشد صيانة عاجلة بعد أول استخدام لها من قبل ذات الجماهير ! وقبلها بأيام تنزهت على الواجهة البحرية بينبع الصناعية التي لم تمض بضعة أشهر على بدء ارتيادها من المتنزهين وروعني حجم الإتلاف والعبث الذي طال كثيرا مما وضع بعناية وحرص أن يماثل نظيرات له عالمية من مكوناتها ! وفي بحر الأسبوع المنصرم تداولت مواقع التواصل صور عشرات من الضبان وحيوانات البر التي مارس بعض عابثي البر تجاهها ما يشبه إبادة حرصوا على توثيق فضاعتها بالصور ! وقبل كل ذلك وبعده فإنه لا يستدعي الدهشة في شوارعنا ومدننا أكثر من مرفق جمالي أو خدمي لم تنل منه أكف موكلة بكل جميل تطمسه وتذهب ببهائه، حتى أن أحدنا لا يهم بزهرة يغرسها في واجهة منزله، أو مصباح يكنس عتمة فنائه قبل أن يفكر في سياج لزهرته، أو نوبات حراسة لا تنقطع لفنائه ! وهكذا فإن ذراع التخريب المديدة لدينا تطال البر والبحر، تجتث الجمادات والأحياء، ولا تقيم لجمال أهمية ولا لمنجز قيمة ولا لحاجات الناس وخصوصياتهم حرمة أو اكتراثا، وهي ويا للوجع ذراع يافعة شابة، تعلمت في مدارسنا كيف (تفك) الحروف، لكن المدارس أخفقت أن تعلمها كيف ترمم الحطام، وتصون الجمال، وتؤسس للدهشة، وتحرص على كل مكتسب حولها تأسس لأجلها، كما أن تلك الذراع لم تغادر الجامعات بأكثر من شهادة تحتطب بها الرزق، مثلما أن كل شيء تراه لا يجاوز في أهميته بالنسبة لها حطبا لا يصلح لغير التهشيم والحرق. وفي كل ذلك طبعا ستتكفل البطالة بتبرير يبدو مقنعا لأكثرنا وإن كان سيبدو مضللا جدا حين نتذكر أن بلدانا مسقوفة بخط الفقر لم يبلغ الأذى ونهم اللامسؤولية لديهم الحد الأدنى مما نكابده، في حين أن المرض النفسي صار امتياز المجرمين والقتلة ولم يعد صالحا للفئات الأقل ضررا كالمخربين والمتلفين والمكسرين ! ولعل ما حدث في الجوهرة وما قبلها وما بعدها لا يحسن تفسيره إلا ما تطاير في فضاء الجوهرة نفسها من شعارات طفا منها بقوة قولهم: (أقدح من راسي)، ليحيل بقوة على ثقافة تنقدح من الرأس وفق تجليات المزاج وحسب المؤشر (مزاج أهلي قافل)، وما دام مزاج أهله مقفلا، فحلال له وفق نظريته أن يسطو بكل ما كان لأهله وأهل بلده، فيكسر ويتلف ويقدح من رأسه !