من الصور اللطيفة التي تناقلتها وسائط التواصل الإلكترونية، صورة امرأة عجوز يضع رجل طاعن في السن رأسه في حجرها وهي تربت بأصابعها المعروفة على كتفه وتهمس له بأعذب كلمات الحب !! لكن تلك الصورة لم تكن تتداول كنموذج لجمال الحب أو إمكان ديمومته رغم أنف الأعوام، وانما كانت تتداول لإثارة الفكاهة والهزء من هذين الشيخين اللذين لا يزالان يشعران بالعواطف تتقد في داخلهما. وكأني بالناس يرونهما وقد بلغا أرذل العمر غير جديرين بأن ينبض قلباهما بالمشاعر العذبة التي تنبض بها قلوب من هم أصغر سنا. صورتان متناقضتان تبرزان في تعاملنا مع الشيخوخة، فبينما نحن نحترم كبار السن ونتعامل معهم بإجلال وتقدير، فنتحدث إليهم بأدب، ونقدمهم في المجلس ونتنازل لهم عن مقاعدنا، ونحمل عنهم حقائبهم الثقيلة، ونتبرع باحضار ما يحتاجون إليه بدلا عنهم، نجد أننا في جانب آخر نستخف بهم فنجعلهم موضعا للتندر، وننسج حولهم النكات ليتقاذفها السمار في لقاءاتهم المسائية، وفي برامج الفكاهة ورسوم الكاريكتير أو غير ذلك، بل إن بعض العامة بلغ بهم الاستخفاف أنهم لا يشيرون إلى والديهم إلا بوصفهما (العجوز) و(الشايب) إمعانا في الاستهانة، وبما هو بعيد عن التوقير والتقدير !! ليس هذا فحسب، وانما ايضا في ثقافتنا العربية تبرز صور متعددة تمثل تمييزا ضد المسنين، فنحن نغمط الشيوخ الحق في أشياء كثيرة لمجرد بلوغهم سن الشيخوخة، نغمطهم الحق في العمل فنجبرهم على ترك أعمالهم متى أسنوا، ومعظم أصحاب الأعمال يغلقون أبوابهم في وجوههم، ونغمطهم الحق في الدراسة والتعلم فمعظم المؤسسات التعليمية تمتنع عن قبولهم طلابا على مقاعدها، ونغمطهم الحق في الاقتراض فغالبية البنوك لا تقرض المسنين، ونغمطهم الحق في الحصول على تأمين بنسبة مماثلة لمن هم أصغر سنا، بل نغمطهم الحق حتى في ان يخطئوا، فالغالبية منا لا يتسامحون مع المسنين متى أخطأوا، ويتوقعون منهم تجاوز طبيعتهم البشرية المعرضة للوقوع في الخطأ، لمجرد أنهم شاخوا. هكذا نحن، بقدر ما نحنو على المسنين في بعض الجوانب، نقسو عليهم في جوانب غيرها، فمن القسوة أن لا نرى للمسنين حقا في الاستمتاع بمشاهدة فيلم عاطفي، أو قراءة رواية رومانسية، أو ترديد أغنية، أو الشدو بقصيدة غزل، ومن القسوة أن لا نرى لهم حقا في أن يسعوا إلى طلب التزين والتجمل، أو أن تخفق قلوبهم بحب جديد، أو أن يطرقوا باب الزواج ثانية، فنجعلهم متى فعلوا شيئا من ذلك، مادة للفكاهة والتندر مرددين أمامهم (يا الله حسن الخاتمة) !! من التمييز ضد المسنين أن نطالبهم بأكثر مما يطيقون، وأن نقسو عليهم في أحكامنا متى بدت منهم تصرفات فيها إقبال على الحياة وميل إلى التمتع بما فيها من ملذات، كأننا لا نرى لهم حقا في اي شيء من هذا، بعد أن بلغوا ما بلغوه من السن، نطالبهم بالزهد في ما حولهم من صور الجمال والبهجة واللذة، والعزوف عن كل شيء عدا ترقب اطلالة هادم اللذات.