رابطةُ العالم الإسلامي تُعزّي مملكةَ تايلاند في ضحايا الزلزال    البرلمان العربي يدعو لنصرة الفلسطينيين والتصدي للتهجير والضم    اختتام مبادرة "رد الجميل" في نسختها الخامسة    ضبط (25362) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة خلال أسبوع    "حوامة المنار" تحيي الموروث الشعبي بالبكيرية    وزارة الداخلية.. منظومة متكاملة لخدمة وسلامة وأمن ضيوف الرحمن    روح العبادة بين الإخلاص والاستعراض    أبشر بالفطور تختتم أعمالها بتغطية محافظات الشرقية و توزيع ٥٠ الف وجبة    رئيس مجلس السيادة السوداني يغادر جدة بعد أدائه مناسك العمرة    فعاليات العيد في الشرقية تبدأ بالألعاب النارية    إعلانات وهمية لتأجير المنتجعات والاستراحات    القيادة تعزي ملك تايلند في ضحايا زلزال بانكوك    مركز الملك سلمان للإغاثة يتيح إمكانية إخراج زكاة الفطر عبر منصة "ساهم" إلى مستحقيها في اليمن والصومال    "الوطنية" ترعى توزيع مليون وجبة إفطار صائم للحد من حوادث الطرقات في رمضان    تعديل موعد مباراة النصر وضمك في الجولة ال 29 من دوري روشن للمحترفين    طرح تذاكر كأس آسيا تحت 17 عاماً في السعودية    أخضر الشاطئية يواجه إيران في نصف نهائي كأس آسيا    ديوكوفيتش يتأهل لنهائي ميامي المفتوحة للتنس    الفريق الفتحاوي يتفوق على العدالة بثنائية نظيفة في مباراته الودية الثانية    رحيل دوريفال جونيور عن تدريب البرازيل    إنجازات جمعية سدانة للحج والعمرة في الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك للعام 1446ه    بيراميدز يواجه الزمالك في نهائي كأس مصر    الشرع يعين الرفاعي مفتيا عاماً لسوريا    إيلون ماسك يعلن استحواذ شركته للذكاء الاصطناعي على منصة إكس    إدارة المساجد والدعوة والارشاد بالسليل تحدد مصليات العيد    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    عبدالعزيز بن سعود يقف على سير العمل في مركز عمليات أمن المسجد الحرام    أكثر من 123 مليون كيلوجرام واردات المملكة من الشوكولاتة خلال عام 2024    "الرياض" ترصد إدارة الحشود في ليلة 29    منصة "بصير" تعزز أمن وإدارة حشود المعتمرين والمصلين بالمسجد الحرام    بلدية محافظة المذنب تزين الميادين والطرق لعيد الفطر المبارك    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك»    كسوف جزئي للشمس غير مشاهد بالمملكة غدًا    محافظ صبيا يعزي رئيس مركز العالية في وفاة والده    المبادرة السعودية تنجح في إنهاء الخلافات السورية اللبنانية    رئيس المجلس العسكري في ميانمار يطلب مساعدات بعد الزلزال المدمر    "سوليوود" يُطلق استفتاءً لاختيار "الأفضل" في موسم دراما رمضان 2025    السعودية تؤكد دعمها لكل ما يحقق أمن واستقرار سوريا ولبنان    تطوير خدمتي إصدار وتجديد تراخيص المحاماة    في "بسطة خير السعودية".. الذكريات محفوظة بين غلافي "ألبوم صور"    البكيرية تستعد للاحتفال بعيد الفطر المبارك    وفاة الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة    هل تسير كندا والمكسيك نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية؟    أمانة الشرقية تزرع 5 آلاف شجرة و 10 آلاف وردة احتفاءاً بمبادرة السعودية الخضراء    أمانة تبوك وبلدياتها التابعة تهيئ أكثر من 170 حديقة وساحة وواجهة بحرية    مختص ل"الرياض": انتظار العطلات سعادة    تجمع جدة الصحي الثاني ينفذ حملة "صُمْ بصحة" لمواجهة الأمراض المزمنة    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    "مستشفيات المانع" تُطلق أكثر من 40 حملة تثقيفيةً صحيةً خلال شهر رمضان المبارك لتوعية المرضى والزوار    حرائق كوريا الجنوبية ..الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    محادثات الرياض تعيد الثقة بين الأطراف وتفتح آفاق التعاون الدولي.. السعودية.. قلب مساعي السلام في الأزمة الروسية الأوكرانية    إطلاق مبادرة "سند الأبطال" لدعم المصابين وذوي الشهداء    مطبخ صحي للوقاية من السرطان    أنامل وطنية تبهر زوار جدة التاريخية    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    عهد التمكين والتطور    ذكرى واستذكار الأساليب القيادية الملهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب .. الظالم المظلوم
نشر في عكاظ يوم 04 - 05 - 2014

من العبر التي أرجع لها دائما موقف عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر.
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
بيت من الشعر استدعى الزبرقان بن بدر أن ينتفض لكرامته ومروءته. وهذا عمر بن الخطاب رجل الدولة، عالم بالشعر ومقاصده ولا تخفى عليه أسراره وخباياه. غير أنه هون الأمر حتى أعتبر ما قال الحطيئة مجرد معاتبة من شاعر لرجل كريم قصرت يداه عن العطاء. غير أن الزبرقان يطلب شهادة متخصص بالشعر، حيث اختار حسان بن ثابت الذي أكد الهجاء في بيت الحطيئة. احترم عمر بن الخطاب رأي حسان وأصدر حكمه بسجن الحطيئة، لم يفرج عنه إلا بعد أن استعطفه الحطيئة بأبيات بليغة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر، عليك سلام الله يا عمر
*****
العبرة من هذه القصة في ثلاثة أوجه:
أولا: موقف عمر من الشكوى، حاكم لا بد أن يمارس دوره في الفصل بين المتخاصمين. لكن ليس كل قضية يمكن أن يبت فيها. تلقى عمر بيت الحطيئة على أنه معاتبة، وليس هجاء. فهل عمر حكم بذائقته الأدبية هنا، أم مارس دوره الإداري رغبة في تخفيف وطأة القول على الزبرقان؟ في الحالة الأولى، لا شك في ذائقة عمر الأدبية، وتلقيه استثنائي، متعاونا مع النص غير متربص به. عمر يؤكد حقيقة قبول الأدب للتأويل حتى لو كان في ظاهره لا يحتمل. ذلك أن حياة الأدب في قراءاته المتعددة، ليس في القراءة الجاهزة المستهلكة. فمعظم قراء قصيدة الحطيئة قديما وحديثا أسرى القراءة الظاهرة.
أما من يحمل موقف عمر على أنه إداري وليس أدبيا، فهم ينظرون للعلاقة بين عمر وهذا النص علاقة استشراف مشكلة وعليه معالجتها بتهوين وقع البيت على الزبرقان.
ثانيا: موقف الزبرقان وهو موقف اجتماعي، إذ رأى في البيت انتقاصا لكرامته ومروءته. فحسب قوله (ألا تبلغ مروءتي أكثر من أن آكل وألبس). فقد قرأ البيت على أنه انتقاص من قيمته وحقه في المكارم.
ثالثا: موقف حسان بن ثابت، وهو موقف وقع في القراءة الظاهرة، فقال بهجاء الحطيئة للزبرقان، ولا قبول للتأويل هنا. غير أن أهمية قراءة حسان بن ثابت هنا أنها جاءت من متخصص. ومهما كان منحى القراءة فإنها قراءة معتبرة، لكنها أيضا قراءة متوترة. إذ لم تكن حرة، بل مطلوبة للحكم. لم تذكر الرواية التاريخية ما إذا كان حسان قد فكر مليا، أم أصدر حكمه وفقا لمقتضى المناسبة. هل لنا أن نتساءل أن قراءة حسان كانت قراءة منحازة ضد الحطيئة؟ إذ لم ير في النص سوى الانتقاص من الزبرقان. هل كون الحكم من شاعر منافس جعل القراءة منحازة بطبعها؟ هذه أسئلة تستوجب النظر في العلاقة بالنصوص الأدبية من منطلق أن النص مختلف عن الواقع، واقع الحادثة، وواقع إبداع النص.
ولعل ما يمكن أن نستنتجه من هذه الحادثة التاريخية العلاقة بين الأدب والواقع. وهي علاقة ملتبسة دائما، وفي هذا النص بالذات. في عالم الأدب النص واقع مواز يختلف عن الواقع المادي، واقع أدبي يقوم على فرضية ما ينبغي أن يكون وليس ما هو كائن. فالشاعر يبدع نصه، وكذا الروائي والقاص والمسرحي على خلفية ما ينبغي أن يكون رغبة في نزع قبح العالم. المفارقة التي تغضب قراء النص على ظاهره أن تصوير القبح في النصوص الأدبية ينظر له على أنه انتقاص من الواقع، بينما تصوير القبح ليس لذاته، بل لدلالة التجاوز والنفور. فإذا كان بيت الحطيئة مبالغة في الانتقاص، فهو في المقابل تنفير من مظنة البخل التي دعت الشاعر لهذا البيت. وعموم النص هو ما يحسب للشاعر، لا غضب شخص معين. إذ الحث على قيمة الكرم في البيت جاء بطريقة الإيحاء. فلو سلك الشاعر في تقديم الكرم في بيته لما كان له ذات الوقع. كأن يقول أنت لست بكريم أو ما شابه ذلك.
لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الأدب حمال أوجه حتى لو بدا ظاهرا في معانيه، فتأويله وارد. بل ربما أكثر المعاني وضوحا هي الأكثر قبولا للتأويل. لأن لغة الأدب تتربع في حضن المجاز وترتوي من فيض البلاغة. من هنا تجيء اللغة ماكرة، ومراوغة، ومحرضة على التأويل، وهي ما تنبه له المتنبي من قبل:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
أزمة العلاقة بين الأديب والقارئ تنبع من إشكالية تصور بعض القراء للعلاقة من حيث إن النص لا يعبر عن وجهة نظر صاحبه، بل يعكس الواقع بكل مشكلاته. وهذا المنظور يخنق الأدب، ويلغي خصوصية الأدب من حيث هو تعبير عن وجهة نظر صاحبه، كما أن القراءة تعبير عن وجهة نظر القارئ لا أقل ولا أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.