قال رواة الأدب: كان الحطيئة سؤولاً ملحفاً دنيء النفس كثير الشر، قليل الخير، بخيلا، قبيح المنظر، رثّ الهيئة، جاور الزبرقان بن بدر فلم يحمد جواره، فتحول عنه إلى (بغيض) فأكرم جواره فقال يهجو الزبرقان ويمدح بغيضاً: ماكان ذنب بغيض أن رأى رجلاً ذا حاجة عاش في مستوعر شاسِ دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فاستعدى عليه الزبرقان بن بدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرفعه عمر إليه واستنشده، وقال لحسان بن ثابت أتراه هجاه؟ قال نعم، وسلح عليه، فحبسه في بئر، فقال وهو محبوس أبياتاً منها: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر فأخرجه وقال: إياك وهجاء الناس، قال إذن تموت عيالي جوعاً، هذا مكسبي ومعاشي، قال: إياك والمقذع، قال : وما المقذع؟ قال أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان: فقال: أنت والله أهجى مني) ا.ه. وأقول هذه أحداث وشخصيات تنبيك عن أن الناس ربما اختلفوا اختلافاً شديداً وهم يعيشون في زمن واحد، فالحطيئة رجل بذيء اللسان فاسد الطوية جعل من هجاء الناس قوتاً لأبنائه وهو مع دناءته وقسوته نراه شفيقا على أبنائه ويستعطف بحالهم قلب عمر، ثم انظر كيف آلت خصومة الزبرقان إلى أن جعله اعداؤه بذكاء منهم عدوا للحطيئة فينالوا منه دون أن يكلفهم ذلك شيئا وكم ممن يحارب باسم غيره، وكم ممن يقع دون أن يدري، ولئن كان بعض الظن إثمًا فإن ما بقي منه فطنة وكياسة ودهاء، ثم انظر قول حسان وهو يحكم: بل سلح عليه، لا أظن أن عمر كان يجهل هذا.. لكن أراد أمير المؤمنين أن ينسب كل صنعة إلى أهلها وذلك اقوم للحكم. وقد قيل: أعط القوس باريها. ثم تأمل قول عمر: إياك والمقذع ثم فسره لما سأله الحطيئة فأعراض الناس محرمة، وليس الحاكم الموفق من يأذن بما يثير النعرات ويؤجج الخصومات ويؤلب الناس بعضهم على بعض، وكم في بعض الأفراح من شعراء هذا شأنهم والقطيعة دأبهم، وكم في بعض البرامج الفضائية والمسابقات المزعومة ما يفسد أكثر مما يصلح. وقد كان الشعر يوم ذاك أعظم باعث على الشحناء أما اليوم فجاءت المسابقات الكروية والمنافسات الرياضية لتحمل الراية. لكن أي راية؟ راية غير محمودة وطرائق غير مستقيمة. وهذا شأن كل عمل خالف هدي الله.