بعض اللوحات الفنية يوجد بها بُعدٌ ثانٍ، لا تراه إلا بعد أن تُنبه إليه، فلوحة تحمل صورة شاب وسيم تقلبها، فتظهر لك صورة رجل عجوز بالغ التجاعيد، هكذا هم الرسامون المحترفون يستطيعون إخفاء البعد الآخر، ويفعل مثلهم محترفو الشعر والبيان، فالداهية الحطيئة يشبع الزبرقان التميمي أحد أمراء عصره ببيت ظاهره المدح وباطنه الهجاء المدقع، فيقول: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد، فأنت الطاعم الكاسي ولما هرع الزبرقان مشتكياً الحطيئة لدى عمر بن الخطاب، قال له عمر: والله ما أراه إلا معاتباً، فقال التميمي، والله يا أمير المؤمنين ما هجيت ببيت أشد عليَّ منه، فاستشار عمر رضي الله عنه أهل الاختصاص، وقال لحسان ما تقول في هذا البيت، هل هجاه؟، فقال حسان، بل سلح عليه!!. شاعر آخر يمدح خليفة بقصيدة استحسنها الحاضرون وصفقوا لها، إلا أن فطنة الخليفة جعلت من الدنانير المتوقعة كمكافأة للشاعر تتحول إلى عدد لا بأس به من الأسواط اللاذعة في ظهره، بسبب أن القصيدة كانت على وزن بيت شهير في الهجاء انطبق على الخليفة. البعد الآخر في عمل أي شاعر لا يخضع لتفسير الوهلة الأولى أو لحسن النوايا، بل يخضع لسياق العلاقة بين المؤدي، والمؤدى له وحيلة الماكر الذي تنقصه الشجاعة، إلا أن (المتنبي) الذي لم يعمد لاستخدام الرمزية لم يفعل مثل ذلك!