كان لكل فعالية من الفعاليات التي تضمنها احتفال هيئة الإذاعة والتلفزيون بمناسبة مرور خمسين عاما على بدء البث التلفزيوني في المملكة، وبدء بث إذاعة الرياض، كان لكل فعالية نصيبها الوافر والمؤثر في ملء زمن الحفل. من مساء الأحد قبل الماضي، وأرجاء القاعة التي احتضنته في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، بغيث دافق من عبق الماضي وحنين الذكرى. و«صدى السنين الحاكي». كل فعاليات ذلك الحفل الإعلامي التاريخي المميز، كان لها أثرها ووقعها الإيجابيين لدى كل من تابع تلك المناسبة الهامة، سواء من شرف وتشرف بحضورها، أو من حرص على متابعتها على الهواء مباشرة عبر شاشة التلفزيون السعودي. إلا أن أكثر الفعاليات استئثارا بتحريك تلك المشاعر الجياشة لدى الحضور والمتابعين، كان ذلك الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه، فحظيت مضامينه بما لا يستغرب من زخم المشاعر وتزاحمها وتنوعها وتمازجها في آن واحد، وخاصة على مستوى «المجايلين» ممن تابعوا ذلك الفيلم الوثائقي، فقد حلقت شواهده بمشاهديها في مدار رحلة استرجاعية ماتعة طافت بهم من خلاله على بعض مما طرزت به مسيرة نصف قرن للتلفزيون السعودي من المواد والبرامج.. من الإخلاص والبذل وعمق الموهبة وغزير العطاء. لم يكن استئثار ذلك الفيلم الوثائقي، بكل تلك الشحنات من التفاعل لمجرد أن مضامين الفيلم أعادتهم إلى عقود من السنين تخللها ما تخللها من الأحداث والذكريات التي مرت بهم أو عليهم فحسب، بل أيضا لأن مضامين الفيلم بحد ذاتها تشكل بالنسبة لهم جزءا لا يتجزأ من أعز ذكرياتهم التي لا تنسى، جراء ما كانت عليه جل مخرجات التلفزيون السعودي «آنذاك» من جذب و«تثقيف»، ونخبة من الإعلاميين الأكفاء بشكل عام، والمتمكنين من إجادة اللغة العربية، والالتزام بتفعيل قواعدها إلى جانب ما كانت تحققه مخرجات التلفزيون آنذاك أيضا برغم محدودية الإمكانات، وبدائية التقنيات من إمتاع وشمولية في مواكبة الكثير والأهم من رغبات واهتمامات المشاهدين. مما يؤخذ على تلفزيوننا في وقتنا الحاضر برغم كل ما أضحى ينعم به من الإمكانات والدعم والرعاية، وما يشهده من القفزات، وتعدد القنوات، أنه لم يستثمر هذا الإرث العريق والنفيس من المواد والبرامج التي يختزنها في أرشيفه، من خلال توظيفها في برنامج يحيي من خلاله هذا الكنز من التاريخ الإعلامي الهام، ويعيد تقديمه لمشاهديه بشكل عام، ففي هذا ما لا يستهان به من الأهداف التي لن يقتصر أثرها على إمتاع وإشباع رغبات «شهود عصر» تلك المواد والبرامج، بل فيها من الدروس التي يفتقر لها الكثيرون من جيل الحاضر، وفي أكثر من مجال، ومن بينها المجال الإعلامي بشكل عام، والتلفزيون بشكل خاص. شريطة إخبار المشاهد عن القناة التي سيشاهد فيها هذا البرنامج، لأنه لا تزال بعض القنوات تتزاحم بها الكثير من البرامج والمواد لأنشطة ومجالات مختلفة على مستوى القناة الواحدة.. والله من وراء القصد. تأمل: أنا ما نسيت الذكريات فلم تزل رغم السنين الخاليات ببالي