منذ شهور طويلة والناس في رعب وفزع من انتشار فيروس الكورونا المؤدي أحيانا إلى الوفاة، وبعيدا عن الخوض في التفاصيل الطبية ومدى صحة ما يشاع عن وجود وباء ينذر بكارثة، فإن ما ينشر من إحصائيات عن عدد الحالات المصابة بالمرض أو الحالات المتوفاة بسببه، تبدو قليلة متى قورنت بعدد السكان، فمجموع عدد الحالات المصابة المعلن عنها حتى كتابة هذا المقال (244) حالة، وعدد الوفيات بينها (76) وفاة، ومتى قارنا هذه الأعداد بعدد سكان المملكة البالغ قرابة ثلاثين مليونا، أدركنا عقلا أنه ليس هناك ما يفيد أن المرض دخل حقا دائرة الوباء، إلا أن الناس مع ذلك ركبهم الفزع وأخذت أصواتهم تصرخ طلبا للغوث!! من جانب آخر، نكاد لا يمر يوم علينا إلا ونسمع فيه عن خبر حادث سير أودى بحياة جماعة وليس فردا، سواء في داخل المدن أو على الطرق السريعة، وحسب تصريح مدير الإدارة العامة للمرور في جدة، فإن معدل الوفيات في حوادث السيارات بلغ 17 شخصا في كل يوم!! وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تشير في تقريرها إلى أن المملكة تسجل أعلى نسبة وفيات تقع بسبب حوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي. طبقا لهذا، فإن نسبة إحصائيات حوادث السيارات والوفيات والإعاقات الناجمة عنها أعلى بكثير من نسبة المصابين بمرض الكورونا، وهذا يعني أن احتمال أن تصاب بحادث سير وأنت داخل سيارتك عبر الطريق أكبر بكثير من احتمال أن تصاب بفايروس الكورونا، لكن الناس صادقوا الاحتمال الأكبر وعادوا الاحتمال الأصغر!! ظل الناس هادئين وادعين لا يتلبسهم رعب من الطريق ولا تركبهم (فوبيا) من السيارات، كما هو حالهم مع كورونا، فما السبب؟ إني لا أجد تفسيرا لذلك سوى الشعور بالألفة والاعتياد، ألف الناس حوادث الطريق واعتادوا رؤيتها حتى باتت جزءا عاديا في حياتهم اليومية، فتكيفوا معها واستكانوا لها وساد الصلح بينهم وبينها. أما فيروس الكورونا فقد ظهر أمامهم فجأة يحمل سمات الغربة والجدة، فأنكروه وتوجسوا الخيفة منه، وشعروا بالرعدة لمرآه حين تبدت لهم حقيقته المفزعة. وما يغلب على الظن، أن الكورونا متى طال المقام به ستزول غربته وتتلاشى جدته، فيألف الناس وجوده ويعتادون شكله، وينتهي بهم الأمر إلى أن يتصالحوا معه، كما تصالحوا مع ما كان قبله من فيروسات كالمتصدع والبقر والخنازير والطيور وغيرها، فهي أيضا كانت في بداية قدومها مرعبة للناس وكان لهم معها صولات وجولات، ثم ما لبثوا أن ألفوها واستكانوا لها وتصالحوا معها، فسكتوا عنها بعد أن صارت من أهل الدار.