بعضي لدي،، وبعضي لديك وبعضي يشتاق لبعضي، فهلا أتيت!! (محمود درويش) من أسرار اللغة العربية الغامضة أن الكلمة الواحدة حين تتكرر في سطر واحد أو سطور متقاربة تبدو منفرة، ثقيلة الوقع على السمع، لكنها هنا في هذه الأبيات تبدو على غير ذلك، هي هنا لها وقع مطرب فيه عذوبة تثير في النفس الشعور بالحلاوة فينجذب إليها السمع بدلا من أن ينفر!! هذا البيت جميل في مبناه وجميل في معناه، مختلف عما يفيض به عادة شعر الوجد من شكوى قسوة الغياب ومرارة الهجر وعذاب الظلم، الشاعر هنا لا يلوم الحبيب على هجره ولا يشكو ظلمه ولا يستدر رحمته، لا يتحدث عن شيء من ذلك أبدا، هو يتحدث عن ذاته وما حل بها، فيذكر الحبيب برقة يندر مثلها في شعر العتاب أن ذاته باتت في شوق وحنين إلى الالتئام بشطرها الموجود عنده، وهل هناك حاجة للقاء أقوى من التئام شطري الروح!! قائل البيت ليس من شعراء الحب وليس من الذين يعنون كثيرا بالتغني بالجميلات، فهو من فحول الشعر الوطني وقلبه أسير حب الأرض أكثر مما هو معني بحب من فوقها من ربات الحسن، بل إنه حتى حين يتغزل بالجميلة لا يجد أجمل من أن يشبهها بالأرض (وكنت جميلة كالأرض،، كالأطفال كالفلة) وأذكر أن غازي القصيبي رحمه الله علق على هذا البيت بأسلوبه الساخر مستغربا أن يشبه الشاعر حبيبته بالأرض فالناس اعتادوا تشبيه الحبيبة بالقمر أو المهاة أو الوردة أما أن تشبه بالأرض فذلك يثير العجب! «وهل في الأرض، سواء كانت مساحة بعينها أم المعمورة كلها، جمال يشبه جمال امرأة فاتنة؟ الأرض مليئة بالبؤس والمعاناة وفيها من مظاهر القبح قدر ما فيها من مظاهر الجمال». وسواء كان الشاعر موفقا في شعره الغزلي أو لم يكن، هو في أبياته البسيطة السابقة استطاع أن يختصر كثيرا من المعاني، فروحه ممتزجة بالحبيب، وابتعاد الحبيب يعني ابتعاد الروح، فلا شعور بالحياة ولا تذوق للجمال ولا طعم للراحة. لقد بدا الشاعر في أبياته تلك صادقا صدقا حولها إلى لوحة وجدانية بالغة العذوبة.