عندما تتزاحم الأحلام والأمنيات وتتشابك السنوات والمسؤوليات لتقف حجر عثرة، يصبح الصبر الجميل هو حبل الأمل لفك التشابكات والتعقيدات، صحيح أن العائق قد يكون أكبر من الحلم الأمل لكن الصبر الجميل يفتت الصعاب ويحوله إلى حبات رمل تذوب سريعا في سبيل تحقيق الهدف، ولعل رحلة الكفاح والمشوار الجميل للسيدة السعودية هيا ناصر الراشد هي أنصع مثال، فقد بدأت التعلم في سن الأربعين لتصدر كتابها الأول في سن السبعين. إنها رحلة 30 عاما بين خطها الأول في دنيا الحرف، وحفل تدشين كتابها (الصبر جنة المؤمن). «عكاظ الأسبوعية» جلست إلى الكاتبة هيا الراشد واستمعت إلى تجربتها في الأمل والصبر والنجاح والمشوار الطويل، وتقول: تزوجت في سن صغيرة وساعدني ذلك في تحمل مسؤولياتي منذ وقت مبكر في حياتي، أتولى رعاية الزوج والأبناء وأم زوجي مريضة اعتبرتها أمي الثانية التي لم تلدني، فعكفت على خدمتها والنهوض بمراعاتها حتى رحلت عن الدنيا وهي راضية عني. كان الصبر هو الدواء الذي لازمني في جميع مراحل حياتي، بدءا من حياتي في منزل والدي ووالدتي اللذان جسدا لي معنى الصبر، في تحملهما لظروف الحياة ومشاكلها تلك الأيام، مرورا بقصص الأنبياء والصحابة، وانتهاء بقصص الأقارب والأبناء والصديقات. في تلك السن المبكرة لم تكن هيا تكتب وتقرأ، وعزمت وقتها أن تمضي في درب العلم إلى ما لا نهاية لتحقق هدفها. وصلت إلى سن الأربعين واستلمهت من مسؤوليات البيت والأسرة والأولاد مسؤولية إضافية مفادها، اطلبوا العلم مهما طال الطريق واستطال. فتقول: مكافأة لصبري وبعد أن أنجبت البنين والبنات وبلغت الأربعين من عمري، قررت أن أتعلم القراءة والكتابة. كنت أحفظ بعض السور القرآنية التي أتلوها في صلاتي، ثم بدأت في متابعة أبنائي وبناتي في دراستهم وتعلمت بعض الحروف الأبجدية، ثم بعض من القراءة والكتابة. وعزمت أمري على حضور دروس تحفيظ القرآن، وفتحت القرآن لأول مرة ورأيت السور والآيات ومنها ضمنها آية الكرسي، التي كنت أظنها صورة لكرسي داخل المصحف. تواصل صاحبة كتاب الصبر هيا الراشد وتروي حكايتها، وتضيف: مع تلاوة القرآن الكريم زادت رغبتي ومقدرتي على القراءة والكتابة، فقررت الالتحاق بالمدرسة وحصلت على الشهادة الابتدائية، ثم داومت بعدها على القرآن قراءة وكتابة وحفظا، ومع تنقلي بين السور، لاحظت أن أكثر آياته كانت عن الصبر، حيث بلغ عددها أكثر من 90 آية، فعملت على جمعها وكتابتها في دفتر لكنني توقفت عن ذلك لفترة بسبب عارض صحي داهم زوجي، وتفرغت لرعايته حتى توفاه الله، وبعد رحيله (يرحمه الله)، عدت لدفاتري القديمة أقرأ وأكتب وأبحث عن قصص الصبر من أيام السلف حتى عصرنا الحالي، وساعدني أبنائي وبناتي وشجعوني على طباعة ما كتبته، بعد أن أخبرتهم أنني أرغب في أن أعد كتابا ينهل منه القارئ ثمرة تجارب أناس تسلحوا بالصبر. حاولت أن أغرس في نفوس أبنائي وفي وجدان الجميع، أن للصبر ثمرات ننهل منها السعادة في الدنيا والآخرة، وهي تجارب حقيقية واقعية نتعلم منها كيف نستزيد من الصبر ونتعامل مع المحن التي تواجهنا بكل رضا. وعن طموحها، تقول الراشد: أتمنى أن يجد كتابي إعجاب القراء، كما أحلم بطباعة نسخة ثانية منه، ثم البدء في كتابة مؤلف آخر يتحدث عن الرضا وقصصه.