كشفت الحرب السورية حقيقة المقاومة والممانعة التي كان يعتصم بادعائها كل من الرئيس بشار الأسد وإيران وحزب الله، واتضح أنها إحدى الكذبات الكبيرة التي تعودناها من هؤلاء. كانوا يلتحفون بالمقاومة والممانعة عندما كانوا ينادون «تقية» بتحرير فلسطين ومحاربة «الإمبريالية»، والرفض والتصدي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بما فيها القدسالشرقية أي بالمعنى العام، كما يدعون، التصدي للمشروع الصهيوني. وأول ما بدأ محور المقاومة والممانعة كان محورا سياسيا ونواته في البداية اتفاق إيرانوسوريا، في عهد الرئيس حافظ الأسد، وتوسعت بعدئذٍ لتشمل حزب الله اللبناني (وبعض الحركات والدول). مقاومة وممانعة حافظ وابنه بشار الأسد تعني المحافظة على أمن الحدود مع إسرائيل، وفتح الباب على مصراعيه لإيران لكي تنشر التشيع في سوريا ظنا منهما أن اختفاءهما تحت شعار حزب البعث يبعد عنهما تهمة الطائفية والتواطؤ مع أعداء العرب والإسلام. أثبتت الأحداث أن جبهة المقاومة والممانعة بالنسبة لإيران لا تعني إلا خدمة مصالحها في التوسع على حساب الأراضي العربية تمهيدا لإقامة الإمبراطورية الفارسية (الصفوية) من جديد، وذلك بالتنسيق مع أسرة الأسد بافتراض أن حكم سوريا سيستمر فيها. فالجبهة إذن وسيلة تمرر إيران من خلالها مشروعها الفارسي، ولو اختلفوا نوعا ما في المعتقد، فإن ما يجمعهم هو العداء للعروبة والإسلام. هذا العداء إلى حد كبير، هو الذي جعل الخميني يتحالف مع حافظ الأسد بعد أن اعترف بالمعتقد النصيري الذي كان يكفره. كان ذلك خلال الحرب العراقية الإيرانية. وتعني المقاومة والممانعة لحزب الله اللبناني في الأصل مقاومة الفلسطينيين، وليس إسرائيل. ولأمين عام حزب الله، حسن نصر الله قوله المنشور في جريدة الأنباء في العام 2000م: «حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل لهدف تحرير القدس». ويؤيد موقفه هذا ما صرح به حسن روحاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي، وحاليا رئيس جمهورية إيران، إذ قال: «حزب الله مقاومة تقتصر على الأراضي اللبنانية» (جريدة الحياة 18/1/2004م). وطالما أوضح قادة حزب الله أن لبنان هو المقاومة باعتبار حزب الله هو لبنان، ولا يعني لبنان شيئا من دون المقاومة وحزب الله. فلبنان بعيون قادة حزب الله هو الذي يضمنون به استمرارهم ويطمحون في الهيمنة عليه. وكانت إسرائيل، على لسان أحد ضباط استخباراتها، ترعى العناصر الشيعية في لبنان وتتفاهم معهم للقضاء على التواجد الفلسطيني فيه. نشر ذلك في صحيفة معاريف اليهودية في العام 1997م. ماذا حدث لمقاومة وممانعة حزب الله؟.. لقد دخل الحزب الحرب السورية مقاوما وممانعا الشعب السوري، وليس إسرائيل. أصبحت مقاومة وممانعة الحزب هي الوقوف، مع إيران، بصف بشار الأسد والدفاع عنه وحمايته بما أوتي من قوة ضد الشعب السوري البرىء وثورته التي قامت لتضع حدا لاستبداد ودكتاتورية بشار ونظامه، وأيضا وضع حد لإبادته الشعب السوري إبادة جماعية. حاليا كل من إيران وحزب الله يعمل ما أمكن عمله لحماية بشار لكي لا يسقط هو ونظامه ومن ثم يخسروا الحرب. والله تعالى يقول: «وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما» (الإنسان 30). آخر ما يدل على عدم صدق ادعاء حزب الله بالمقاومة وبالممانعة ضد إسرائيل الرسالة التي أبلغها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله للروس عن طريق نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، «أراد إيصالها إلى إسرائيل تطمئنها بأن حزب الله لا ينوي القيام بأي عمل ضدها» وأفاد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن حسن نصر الله أبلغه شخصيا في بيروت قائلا: «تستطيعون أن تنقلوا للإسرائيليين أن أهدأ مكان في الدنيا هو الحدود اللبنانية الجنوبية، لأن اهتمامنا منصب على ما يجري في سوريا، وأنه لا توجد لدينا نية لفعل شيء في هذه المنطقة» (الشرق الأوسط، الأربعاء 18/5/1435ه 19/3/2014م ص1) .. والله أعلم.