يعبر الشاعر أحمد السيد عطيف عن ذاته ومكنوناته بصوتٍ مختلفٍ لا يشبهه إلا هو، فلديه مهارة في صناعة فخامة الصورة، وبراعة في سلاسة التعبير، عده البعض جزءا من إشكالات الثقافة وصراع المثقفين في جازان فقال «تهمة لا أنفيها وأنا طرف في الحل» ويرى أن الاختلاف والنقاش والحوار يظهر الحقائق ويفضح الدسائس، فتحنا معه طرائق عدة للوصول إلى تفسير ما حدث ويحدث وكان جريئا في وصف بعض المثقفين بالبهلوانية والباحثين عن الربحية أو الوجاهة، وتحفظ على انتخابات أدبية تضع نكرات في الواجهة لا لشيء سوى لمجاملات أو لهضم حق المجتمع في انتخابات نزيهة.. وهنا تفاصيل مسامرة قطعها مطلع الفجر: ألا يزال المجتمع يعول على المثقف؟ - بالطبع المثقف التنويري الحر النزيه والشفيف قبلة لنفسه ولأسرته ولمجتمعه وقدرته على التأثير ممكنة ما لم يتقصد البعض إضعافه أو إلغاء دوره ببدائل كرتونية جاهزة لا تخفى على ذي لب هشاشتها. أين تكمن إشكالية المثقف؟ - إشكالية المثقف أنه يطرح أسئلة كبرى تعجز عن طرحها المؤسسة الثقافية، المثقف مسكون بقلق على الهوية والوطن والمستقبل وموظف المؤسسة قلق على تأخر مكافأة أو عدم صرف انتداب أو حرمان من دعوة لوليمة عند مسؤول ما. هل آن أوان تقنين العمل الثقافي؟ - التقنين عمل إيجابي وضروري ليكون مرجعية حسم عند الخلاف والتنازع ، إلا أننا مع المؤسسة الثقافية نحتاج إلى توافق على غايات تنسجم مع غايات الوطن الكبرى، أعني غاية لا تتحدث عن مسموح وممنوع، ومقبول ومرفوض، بل غايات تحقق التفاعل وصناعة الأفكار فنحن سعوديون ونحن عرب ونحن مسلمون ونحن إنسانيون وكل هذه الدوائر تحتاج إلى تفاعل مع بعضها لنستشعر معنى الحياة الثقافية ونحقق التواصل مع الآخر، ومع الأسف أن البعض يربط بين المؤسسة وبين الإبداع سردا وشعرا ونقدا ، وهذا خلط فالإبداع سبق المؤسسة بمراحل ، ونحن بحاجة إلى مؤسسة دورها تنظيمي ومدني صرف، لا تشريعيا ولا رقابيا لأن المثقف يعرف ما يجوز وما لا يجوز فقد شب عن الطوق ولم يعد بحاجة إلى وصاية يفرضها مسؤول ما يعلو حسه الأمني على حسه الثقافي والاجتماعي والإنساني التي هي مكونات الحس الوطني دون اختراع فوبيا أو تجزئة المثقفين إلى موالين ومعارضين، ومتصالحين وإشكاليين، حتى اقترح بعضهم وضع قائمة سوداء لحرماني وأمثالي من دعوات وزارة الثقافة وهباتها. ما سر ضعف مخرجاتنا الثقافية؟ - القوة تأتي من الحرية ومن احترام وتبجيل المثقف المتبني مشروعا ثقافيا وفكريا، بينما نرى اليوم من يصنع النجوم الوهمية ويبرزها ما يسطح حضورنا أمام أنفسنا وأمام الآخر، فالثقافة تقوم على صدق العطاء ومهارة التناول وقدرة البحث والتنقيب والسهر والتعب حد الانهاك في سبيل قراءة واعية واستنتاج فكرة وليدة لا تزال لها بكارتها. كيف تقرأ واقعنا الثقافي اليوم؟ - مرت أعوام شعرنا فيها بانفراجات كبيرة واستشعرنا فضاء حرا غير مسبوق طيلة ثمانية أعوام في العامين الأخيرين هناك تراجع ملحوظ، وعادت الاسترابة من المثقف، وبرزت تدخلات في رقابة الكتب ومنعها بحجة الثوابت، ونحن نعرف أن البعض نفعي يسوق ما شاء ويمنع ما شاء وفق ما تهب رياح المنفعة أو بحسب توصية من طرف خفي، ولذا أطالب وزير الثقافة بوضع استراتيجية ثقافية لا تخون المثقف لأنه يقول كلاما مختلفا وغير مألوف ولا تحرمه حقوقه وأولها الحرية أعني الحرية المسؤولة دون شك، فالثقافة ابنة الحرية، يمكن للوزارة أن تدعو المثقفين لمؤتمر مقبل تحدد فيه مطالب المثقفين اليوم، وتؤسس لمشروع مدني فنحن في أمس الحاجة لاتحاد كتاب أو نقابة مثقفين أسوة بإخوتنا العرب وأصدقائنا الغرب، وهذا مطلب غير عسر. ما مدى إيماننا بالتعددية المنطلقة من مذاهب ومناطق وثقافات؟ - إيمان محدود جدا، نؤمن وننادي لكننا لا نستوعب معنى التعددية ولا التزاماتها الشرطية والأخلاقية فحين تؤمن بي تحترم وجهة نظري ومع الاختلاف هناك مناطق التقاء يمكن أن تحقق جزءا من تطلع وطني، ولكن هناك أزمة فنحن عبر تاريخنا يحكمنا الفرد ويسحرنا البطل ويؤثر فينا المستبد، ولعلنا غير مؤهلين لتحمل تبعات التعددية كوننا عند الحوارات نستعين بالنصوص والمأثورات لتجريم مخالفينا، ونستقوي بالدين المقدس على قضايا دنيوية مدنسة وهنا إشكالنا حتى في حوارنا الوطني. من أين تولد فيك الشعر؟ - البيئة الأولى مسرح فرح وإنتاج وعمل وكنا نغني وكل ما حولنا غناء وطرب ورقص ومناسبات لا تنقطع وتربيت في منزل والدي وكانت له مكتبة بها دواوين المتنبي وإيليا أبو ماضي والمغني لابن قدامة والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني وفتاوى ابن تيمية ومعالم على الطريق وفي ظلال القرآن. تنوع المكتبة هل نجح في لفتك إلى الكتابة في الفكر الديني؟ - ربما أنا خريج معهد علمي، وجامعة الإمام فرع أبها ومناهج المعاهد والكليات تؤصل للدارسين منهج البحث والاستقصاء ومن هنا غلبتني نزعة تأليف «تغطية العالم». هل أردت بالعالم المرأة؟ - نعم، فالعالم الحقيقي امرأة لا يمكن تغطيتها والله أرادها أصلا للحياة فهي تحملنا وتضعنا وترضعنا وتعتني بشأننا أمام الملأ وهناك من يسعى لحجبها ووأدها ثقافيا وفكريا وإبداعيا، فتغطية العالم سبر لأغوار النصوص خرجت منه بنتيجة أن تغطية الوجه ليست من الدين بل هي من العادات الاجتماعية وسيظل البعض متمسكا بعاداته ويغطي العالم وهذا شأنه ويتمسك بأن الدين أوجب ذلك دون فطنة بدوال النصوص وتأويلاتها. ألا ترى أن التغطية جزء من ثقافة اللغز والأحجية ما يغري بالبحث في الماورائيات؟ - البحث عن الماورائيات بحث فلسفي ونعمة معرفية أما أن تحجب مخلوقا مثلك بحجة الخوف عليه فهذا مدعاة لاستضعافه والنيل منه تحت مظلة الغطاء، فالمرأة حقيقة والحقائق لا تحجب مع الأخذ في الاعتبار أن العادات والتقاليد والأعراف معتبرة وحياء النساء محمود لكن لا يجوز إلباسه نصا دينيا قابلا للتفسيرات والتأويلات ولا يخل أحيانا التفسير من اسرائيليات لم تنج منها بعض المدونات، المرأة أم والأم نواة. لم يحظ كتابك بما توقعته ربما من نقاش وقبول؟ - المجتمع ليس على مستوى عال من الثقافة الحرة والقراءات المتحررة من الأحكام المسبقة، هناك مراهقون ثقافيون، وهناك عوام، وهناك مؤدلجون يقرأون من منظور حزبي، ووجهة نظرٍ تيارية، وهناك نخبة أرجو أن تكون مؤثرة عندما نسمح لها بالقراءات الفلسفية ونفتح حلقات نقاش حول ما نصنفه ثوابت وهي متغيرات، نحن لدينا إشكال مع الإجابات الجاهزة حتى المثقف اليوم يجيب عن كل الأسئلة دون تردد ولا مراجعة ولا اعتذار بعدم معرفة الجواب وكأنما هو ضيف برنامج افتاء على الهواء، ولكني من خلال زيارتي لبعض دور النشر في معرض الرياض الأخير لمست من القائمين عليها رضى عن توجه القارئ السعودي للكتابة الفكرية والعميقة منها والفلسفية أيضا، وبدون فلسفة ستظل أذهاننا مشوشة وحين تريد التعبير عن فكرة حرة ما ستتحايل بممارسة بهلوانية فالعقول غير مرتبة ولا مدربة على الحوار والقبول بالمختلف. هل ستواصل الكتابة المعرفية؟ - أنا بصدد استكمال جوانب نقص في بحث عن الرجم ومفهوم الإحصان في القرآن واللغة، وأدعو الأصدقاء للعمل على نفض وغربلة الموروث من الأخطاء والظلم والقسوة والوحشية التي طاولت الفقه الإسلامي وأصلت التعصب فينا. جازان الحالمة الوادعة المائية كيف تحولت إلى حلبة صراع بين المثقفين؟ - جازان حضرت عبر التاريخ حضورا أملس بخلاف حضور الأحساء والقصيم ومكة وأعطيك مثالا بما طرحه عبدالله القصيمي وحسين سرحان، فمثقف جازان لم يبلغ مرتبة وجرأة طرح المختلف بل اشتغل على ترويج وتسويق السائد، والسائد هو الذي جرنا إلى خلافات وشقاق نوعي شوش صورة ثقافة جازان في أذهان البعض، إلا أن ما نحن فيه ظاهرة صحية فنحن نختلف ونتحاور ونتحاكم دون أن نلغي علاقة الصداقة والإنسان بيننا، فالصراع سنة كونية. من هو السبب فيما حدث؟ - هناك لائحة أندية أدبية عرجاء، وهناك مسوقون لها يعملون بفقه العسكرتاريا، ووكالة وزارة الثقافة للشؤون الثقافية تتحمل المسؤولية كاملة فهي السبب فيما حدث وسيحدث حتى تأتي لائحة ثقافية مدنية وقانونية ومن دون تدخلات وتشويه للعمل المدني. هل ما ينقصكم في جازان هو مجرد لائحة وتستوي الأمور على نحو غير مسبوق؟ - الانتخاب ثقافة حضارية ومكتسب يجب علينا ألا نفرط به، خصوصا أن هناك من يتحدث اليوم عن العودة إلى التعيين، والتعيين موجود والدليل أن داتا انتخابات أدبي أبها لم تسلم للمحكمة الإدارية، وهذا دليل تدخل وكالة الوزارة في الانتخابات الصورية وإقحام أسماء لم نسمع بها من قبل مثقفة ولا أدبية بل هم (على عماها) وهذا ظلم وتجاوز على المثقف وعبث بالحس الوطني والمنجز الثقافي والفكري الذي تحاول دولتنا بلوغه من خلال مؤسسات مدنية، ونحن قادرون على تجاوز إشكالاتنا، فقط نريد لائحة مؤهلة وحيادية وكالة وزارة الثقافة. من أين جاءت انقسامات مثقفي ومثقفات جازان؟ - هناك اعتبارات غير ثقافية يفرزها واقع ما، وتعلم أن أي مؤسسة يتوفر بها مال وتدخلها المرأة تبدأ فورا إشكالات وتحزبات ومغايرات ومكاشفات حد الفضائحية، وأصدقك أن بعض الدهماء ممن لا يصلحوا للثقافة علت أصواتهم وأصبحوا ينظرون وينتقدون، ولست مع من عاب علينا نشر غسيلنا فزمان الصمت رحل والقيمة اليوم للكلام والمدافعة ستظهر الأجمل والسكوت جريمة. ماذا عن تحزبات البر والبحر وتعصب البعض لها؟ - أتصور في معظم مناطقنا هناك صراع ومنافسة وإن كانت غير معلنة، فالبعض يرى أنه أحق منك كونه قريبا من مركز المدينة والبعض يعتد بتاريخه والبعض بموروثه العلمي والفقهي وهناك من يغذي العنصريات من التافهين مع العلم أن كل ذرة تراب في هذا الوطن هي لجميع المواطنين. متى تركن للشعر؟ - عند الحاجة إليه، أقرأه اليوم دون أن أطرب، فالشعر على كثرته كالماء الطاهر لا تتجاوز جماليته قائليه، وأنا بحاجة إلى ماء طهور مطهر لغيره، أطرب للشعر المغنى ولا أكتب نصا إلا عند الاختناق بعد صراع وتعارك مع الذات. لماذا حضورك في الأماسي قليل؟ - لسببين أني لا أجيد التملق للقائمين على المؤسسة، فأنا فاشل في العلاقات العامة، ولا أستثمر شعري في تسويقي، وثانيا لأن شعري قليل أيضا. ماذا أضافت لك كتابة المقالة؟ - لا شيء سوى ما يظنه البعض إضافة، المقال اليومي ينتهي بانتهاء اليوم الذي نشر فيه، والمقال الأسبوعي لا يمكنك من مواكبة الحدث، والأفكار لا تتاح لها مساحة التعبير عنها كوني أجير عند الصحيفة ولست مالكا لها ولذا تخرج بعض مقالاتي وكأنها ليست هي. ماذا تقول لمحمد زايد الألمعي؟ - قلبه مبعثر وعقله مرتب، وبينه وبين المكان تهمة حب ثابتة، وبينه وبين الزمن علاقة متأزمة، يجب أن ينشر ما في رأسه من أفكار أما الشعر فسهل الوصول إليه. ولمدير جامعة جازان؟ - إن غادرت جامعة جازان قبل أن ترسخ القيم التي هي عليها الآن ستغرينا بمحاسبتك وستحاكمك أجيال لاحقة. ولرئيس أدبي جازان الحالي؟ - يمكنك أن تعيد النظر فيما صنعت، فهل ارتفعت بالنادي لمكانة أعلى أم نزلت به للحضيض، أنت أدرى. وما تقول لفاطمة عطيف؟ - لست زوجة بل صديقة تتجدد معها أفياء الحب، والعمر لا يكفي لأبثك مكنوني والأمل معقود بلقاء هناك.