حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله دائما على تحقيق ضمانة الاستقرار في المملكة، من خلال رؤية ثاقبة تستلهم الشريعة الإسلامية منهاجا للحكم وتنظيما إداريا لتسلسل القيادة، وسيرا على خطى الراحل المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله وهو ما كرسه الملك عبدالله في تقدمة الأمر الملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد: «عملا بتعاليم الشريعة الإسلامية فيما تقضي به من وجوب الاعتصام بحبل الله والتعاون على هداه، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية والتآزر على الخير، وانطلاقا من المبادئ الشرعية التي استقر عليها نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ورعاية لكيان الدولة ومستقبلها، وضمانا بعون الله تعالى لاستمرارها على الأسس التي قامت عليها لخدمة الدين ثم البلاد والعباد، وما فيه الخير لشعبها الوفي». لقد تجلى أخذ خادم الحرمين الشريفين بالأسباب الشرعية والنظامية، عند أمره يحفظه الله بتأسيس هيئة البيعة في العام 1428ه؛ إيمانا منه بضرورة تنظيم واختيار القيادة التي تدير دفة البلاد وترعى شؤون العباد على أسس واضحة ودقيقة لا يتسرب إليها الخلاف ولا الاختلاف في مستقبل الحكم في البلاد، ومن خلال رغبته بأن يبدي أعضاء هيئة البيعة رأيهم حيال اختيار سمو الأمير مقرن وليا لولي العهد، وتأييد ذلك بأغلبية كبيرة من أعضاء هيئة البيعة تجاوزت الثلاثة أرباع. وفي نسبة الثلاثة أرباع التي أيدت في هيئة البيعة رغبة الملك عبدالله باختيار الأمير مقرن وليا لولي العهد، دلالة واضحة على المنهج الذي أراد ترسيخه خادم الحرمين الشريفين كمنهج أصيل مستمد من الشريعة الإسلامية، في تحقق مبدأ «وأمرهم شورى بينهم»، ليتحقق مبدأ شوري ثابت في الشرع، يوازي تماما المنهج الديموقراطي في الأنظمة الحاكمة في السياسات العالمية في الدول المتقدمة التي باتت المملكة في مصافها بلا شك. كما أن في تفاعل خادم الحرمين الشريفين لرغبة ولي عهده الأمين دلالة واضحة في اللفظ والقرار لعمق اللحمة بين أفراد البيت الحاكم في المملكة؛ بالنص على الأخوة وتحقيق الرغبة في الأمر الملكي: «يعد اختيارنا وتأييد ورغبة أخينا صاحب السمو الملكي ولي عهدنا لأخينا صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد وتأييد وموافقة هيئة البيعة على ذلك نافذا اعتبارا من صدور هذا الأمر». وحرص خادم الحرمين على تحصين القرار بإكسابه صفة القطعية المستدامة التي لا تقبل التعديل أو التبديل أو التسبيب أو التأويل من أي شخص كان، ضمانة أخرى بالغة الأهمية، وتعكس الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين، لتنظيم شغل المراكز القيادية الشاغرة، عندما قال: «ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائنا من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقعة منا ومن أخينا سمو ولي العهد رقم 19155 وتاريخ 19/5/1435ه وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1/ه ب وتاريخ 26/5/1435ه المؤيد لاختيارنا واختيار سمو ولي العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة». وتحصين الأمر الملكي بهذه الصيغة يكسبه قطعية واجبة النفاذ على الدوام. ولم يترك خادم الشريفين القرار للمستقبل ليتم التداول فيه لاحقا، بل أعاده في التسلسل القيادي لمستقبل الحكم في البلاد إلى نظام هيئة البيعة الذي أقره يحفظه الله في العام 1428ه، كضمانة ثالثة لانتقال سلس للسلطة في المستقبل، من خلال البند الرابع الذي نص عليه الأمر الملكي «دون إخلال بما نصت عليه البنود (أولا وثانيا وثالثا) من هذا الأمر، للملك مستقبلا في حال رغبته اختيار ولي لولي العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويصدر أمر ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة». وبذلك يكون خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله قد حقق للمملكة منجزا تاريخيا غير مسبوق، يؤكد أنه ملك ذو رؤية ثاقبة يندر مثلها، وسيشهد التاريخ لهذا الملك الصالح أنه رجل عمل لخدمة دينه ووطنه ومواطنيه بإخلاص منقطع النظير، نظم البيت السعودي وحصنه بأنظمة تستمد من الشريعة منهاجا أصيلا لا يمكن اختراقه أو تغييره أو تبديله، كضمانة استقرار حقيقية لا مثيل لها في التاريخ الحديث.