يعود اليوم اسم هاينريش هيملر إلى الساحة الأوروبية، خاصة في ألمانيا وفرنسا، حيث صدر كتاب عن دار النشر الفرنسية (بلون) عنوانه (هاينريش هيملر، حسب مراسلاته لزوجته مارغا بين 1927 – 1945)، من تأليف حفيدته الكاتبة والمحللة السياسية كاترين هيملر ومايكل ويلد أستاذ التاريخ الألماني في القرن العشرين في جامعة هومبولت ببرلين وترجم نصه من الألمانية إلى الفرنسية أوليفيه مانوني. الإصدار جاء في 350 صفحة، صدر في 20 من شهر فبراير 2014 وحاز الكثير من الاهتمام من المؤسسات الأكاديمية ومن المثقفين والقراء في أوروبا لما احتواه من معلومات توثق لحقبة تاريخية من حياة رجل جسد النازية في أفعاله وأعماله، إذ هو أقوى رجال أدولف هتلر وأكثرهم شراسة. قاد فرقة القوات الخاصة الألمانية والبوليس السري المعروف بالجيستابو وأشرف على عمليات إبادة المدنيين في معسكرات الموت الألمانية. الكتاب هو سيرة ذاتية عن الرجل الأول لأودلف هتلر، يحوي مراسلات مع زوجته مارغا بين 1927-1945 لم تنشر من قبل. الرسائل كتبت من العام 1927 إلى غاية خمسة أسابيع قبل انتحار هينريك هيملر في برلين في عام 1945، وكانت موجهة إلى زوجته مارغا. واستهل الكتاب برسائل الحب المطعمة بمعاداة للسامية. وهو وثيقة تاريخية ذات قيمة استثنائية، أخرجها للعلن في شكل كتاب، واحد من كبار الأخصائيين في النازية والكاتبة السياسية حفيدة هاينريش هيملر. وتكفلت دار بلون التي تنفرد بالمراسلات بالإضافة إلى ألبوم من الصور الخاصة بحياة الرجل وقد نشرت في الكتاب. وكان يعتقد أن الرسائل التي كتبها رجل النازية هاينريش هيملر لزوجته مارغا وكذا العديد من الوثائق قد أصبحت في عداد وثائق النازية التي دمرت في فترة معينة حتى لا يتسنى لأحد الوصول إليها ولكن بعد مرور 60 عاما على انتحاره ونهاية الحرب العالمية الثانية، عثر على الرسائل في تل أبيب بإسرائيل، كما جاء في الرسالة التي نشرتها دار بلون الفرنسية قبل صدور الكتاب بشهر، واحتكرت الدار جميع الحقوق العالمية لهذه المراسلات. بما في ذلك الصور. الوثائق وجدت في العام 1980 بإسرائيل عند أحد الناجين من المحرقة، وقد استعادتها كاتبة السيناريو فانيسا لابا التي استخدمت في الوثائقي الخاص بهيملر. عندما تزوج هاينريش هيملر مارغا في عام 1927 اتحدا على معاداة السامية. فمارغا كانت تثير مرارا أفكارها المعادية للسامية وتلقى الدعم والتشجيع من هيملر.. بينما كان هو يتنقل مع (معلمه) ومسؤوله حسب ما ذكره في الرسائل ويسدل لها انتصاراته ويتفاخر بها. وكان يطلب من (محبوبته) أن تحضر له (المربى) عندما يقترب موعد اللقاء، في حين كانت تبادله مارغا في الرسائل وبلغة الافتخار كيف حولت منزلهما إلى مكان (لاجتماع جميع الاشتراكيين الوطنيين). وذكر الكتاب أنه بعد العام 1933، أصبح هيملر أقوى رجل بعد رئيسه أودولف هتلر، وقرر أن ينهي نهائيا (المعضلة اليهودية) وأرسل لزوجته التي كانت تتواجد في بولونياالمحتلة صورا عن رحلاته وما حققه من انتصارات. ويتمنى لها عيدا جميلا بمناسبة عيد الأمهات. هنا الكتاب انحرف عن الرسائل نوعا ما وحاول تحليل شخصية هيملر بإعطاء الصورة للقارئ عن ازدواجية شخصية الرجل التي تظهر من خلال تلك المراسلات، فيتحول بين لحظة وأخرى من (العاشق) (المتيم) إلى المتربص بأرواح البشر والحمل للكراهية والقسوة والبغض. ومن جهة أخرى يعطي الكتاب الانطباع عن محاولة تبيان شخصيتين متناقضتين، تجسدتا في الرجل المتسلط والعاشق في آن واحد وفي زوجته التي يحاول إظهارها في رسائله بالأنثى الطائعة والمحبة ولكن تبرز وراء تلك الشخصية المرأة البرجوازية التي تعكس الوحشية والقسوة التي طعمتها خصوصية هيملر وغذتها عنجهية مارغا. لكن الجانب الأكثر لفتا في هذه المراسلات، كما ذكره النقاد، هو «محاولة صنع مفارقة بين كفتين في شخصية هيملر ومارغا مع وجود هوة في شخصية هيملر تظهر في ارتكاب جرائم إبادة مذهلة، من جهة، والبروز بصفة الرجل الذي يملك من الإحساس والعواطف ما يبني مجتمعات متعايشة من جهة ثانية».