تفاوتت رؤى الشعراء والمثقفين حول تقييم اهتمام المؤسسات الثقافية بيوم الشعر العالمي، فاعتبر البعض منهم أن الاهتمام كان متواضعا ولا يليق بمكانة الشعر موضحين ل «عكاظ» أن الفعاليات اقتصرت على إلقاء القصائد وافتقرت إلى مناقشة قضايا وإشكالات الشعر، فيما رأى البعض الآخر أنه من الصعب تعميم الحكم على كل المؤسسات الثقافية، لافتين إلى أن اهتمام بعض المؤسسات كان على مستوى الحدث مستدلين بفعاليات ملتقى الوعد الثقافي بالدمام، وبعضها الآخر لم تكن تعلم بالمناسبة، حول ذلك: في البدء، أبدى الشاعر والمسرحي صالح زمانان تحفظه على تخصيص يوم للشعر، وقال : «لدي إشكالية مع مفهوم يوم الشعر العالمي برمته، أشعر أن هذا التخصيص حماقة كون مواسم الشعر هي مواسم الأحزان واللوعة والقلق والثورة والعدمية»، وتساءل كيف لك أن تحتفي بكل هذه المقاومة الوجودية؟، وهل يكفي أن نعتني بمشاعرنا وألمنا في يوم واحد فقط لأن بعض المؤسسات قررت ذلك؟، واصفا الفعاليات بالرتيبة والساذجة والسطحية كونها لا تحاكي ماهية الشعر كمرتبة فنية مرموقة أو كنسج فلسفي عريق، ورأى أن الأمسيات التقليدية وقراءة القصائد التقليدية لا تعبر بالضرورة عن أي حالة شعرية. ومن جهته، اعتبر المحرر الثقافي علي فايع أن الشعر فقد بريقه عند التقليدين أما عند المبدعين الحقيقيين فإنه يزداد وهجا وتعود له زهوته وحضوره، مبديا إعجابه بالتعاون المثمر في المنطقة الشرقية بين ثلاث جهات تتفق لتصنع شيئا ذا قيمة، وتعيد الشعر والمسرح وكل الفنون إلى الحياة، ويتساءل ألا يستحق هذا التعاون أن نقول إن يوم الشعر لم يفقد وهجه وحضوره، وقال: «في المقابل هناك أندية الأدبية لا تعلم إلى هذه الساعة أن هناك يوما للشعر قد مر، ولك أن تبني على هذا العديد من التساؤلات: هل لدينا عمل ثقافي مؤسسي يسير وفق خطط وبرامج مسبقة ومقترحات صادقة وعناية ثقافية خالصة ». بدوره، تساءل الشاعر محمد خضر هل نحلم بالمزيد ؟ في إشارة إلى ما نفذه ملتقى الوعد الثقافي احتفاء باليوم العالمي للشعر هذا العام من خلال التعاون مع النادي الأدبي في المنطقة الشرقية وجمعية الثقافة والفنون في الدمام، واصفا ما حدث بالكرنفال المبهج للشعر والعرس الملون بالفرح وبكائنا القديم الجديد، وأرجع خضر اختلاف احتفالية هذا العام إلى تكامل أنواع الفنون المختلفة من المسرح والتشكيل وقراءة الشعر إذ قلد كل منها الآخر عقدا من فرح، وذكر أن الشعر حضر في فضاء ملئ بالقصيدة ودواوين الشعر وعالم الكلمات، مبديا دهشة كونه لا يرى ملمحا لهذا الاحتفال خارج أسوار المؤسسات الثقافية أو الملتقيات التي لا يحضرها سوى من يهتم بالشعر أو يكتبه، وقال: «أتخيل مدينة تضج شوارعها وساحاتها بأبيات الشعر من كل الأزمنة، مدينة تحتفل بالشعر في المدارس والجامعات والمقاهي الأدبية والحدائق العامة، ومدن توزع الشعر كالحلوى على ركاب السيارات وعند إشارات المرور والمارة ويقرأ فيها الشعراء في كل ساحاتها قصائدهم ويوزعون دواوينهم، ونسمع جليا كل عام والشعر يسكننا ويجمعنا وينوب عن دواخلنا»، وتساءل هل أنا حالم أكثر مما ينبغي ؟ أم أنه ليس بالأمر المهم أن نحول هذا اليوم إلى علامة ضوئية تطلق روح الشعر في كل مكان؟ ويجيب الحضارية مع الشعر أن يتزين له الأطفال وتردده الناس وتحتفي به الجموع، ألا يستحق هذا الكائن الأزلي احتفالا يشارك فيه الناس ونعلم فيه أولادنا وأجيالنا القادمة أهمية أن يسجلوا تاريخ هذا اليوم في مذكراتهم ويتعاهدوا بعضهم بالتهنئات به كعيد مختلف يقام بوقع المطر وذاكرة الدهشة التي تركها الشعراء في داخلنا. في سياق متصل، تحفظ المشرف على ملتقى الوعد الثقافي الشاعر والقاص حسين الجفال على وصف ما قام به ملتقى الوعد بالتقليدي، مطالبا بالاحتكام إلى تعبيرات الصور واللوحات والمسرح والجمهور الذي غص به المكان ولم يستطيعوا توفير مقاعد وكأن الفعاليات في عواصم ثقافية أخرى وليست في السعودية بحسب قوله، وأضاف: «لو تمعنت كيف تعانق الشعر باللون وكيف بمكر جميل راقص الشعر لوحات الفنانين، لو أنك عشت اللحظة وكيف مر الشعراء على عدسة فوتغرافية سعودية كاسرة رتم التقليدية، لو أنك جلست في مقعدك وراح فنان تشكيلي يرسم وجهك المضيئ كنجمة في سماء الشعر لقلت أن الشعر حياة خالدة»، ويرى الجفال أن لا شيء ثابت في هذا الزمن ولذلك نحاول أن نعانق الفجر الأول كحالة طليعية لنتجدد من أجل أن يبق الشعر في دواخلنا قصيدة حب أو طلقة احتجاج أو حمامة سلام لا تموت كما وصف. ومن ناحيته، رأى الشاعر غرم الله الصقاعي أن الشاعر كائن قلق بطبعه وملول ما يدفعه للبحث المستمر عن قنوات وآليات التجديد، مطالبا بتبني جوائز تحفيزية وتشجيعية للمواهب ولتكاملية الفنون، وتساءل عن سر الوقوع في أسر الرتابة والتقليدية وما إذا كان يعود ذلك إلى عجز المثقفين عن توليد الأفكار الخلاقة أم إلى ضاءلة دور المؤسسة أم الخوف على الموارد المالية من استنزافها ما يضر بمكافآت ورحلات القائمين على المؤسسة؟ وقال: «حين تحتفظ الحياة بمعناها ونقائها وجمالها يكتسب الشعر معناه وقيمته وقوة الاحتفاء به».