لا يمكن أن يكون هناك تغيير جذري وعميق في بنية المجتمع.. وفي تغيير الذهنية التي تحكم المجتمع ما لم يكن هناك ايضاً ايمان جذري وعميق بأهمية الرهان على الفعل العلمي والثقافي وفي سبيل الخروج من الواقع التقليدي والفكر الآسن.. وثقافة الممانعة والوقوف أمام كل ما هو جديد. الثقافة وحدها هي القادرة على تغيير المجتمع تلك الثقافة العميقة التي بإمكانها ان تشكل هذه العقليات السوداء التي لا تؤمن الا ثقافة الجهاد والتكفير وتصنيف فئات المجتمع من ليبرالي وحداثي وصوفي واخواني وجامي وسروري إلى علماني وغيرها من التصنيفات والمسميات المجانية والمستهلكة. لقد قام الفكر الديني التقليدي الذي لا علاقة له بالفكر الديني العظيم والمضيء ببرمجة العقول والأذهان الصغيرة على مدى اكثر من خمسين عاماً وأسس هذا الفكر الديني التقليدي من خلال كثير من الدعاة بحشو أصحاب العقول الصغيرة بثقافة دينية معادية للثقافة والابداع والفنون من مسرح وسينما وموسيقي للفلسفة وضد فريضة التفكير. من هنا فإن التغيير الحقيقي يأتي عبر التفكير العلمي وآلياته وتكريس العقلانية في مسارنا الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتعليمي وفي الخطاب الثقافي والفكري وكل ذلك تمثله الثقافة والمعرفة والعلم وليست ذهنية السحر والخرافة وطرق التلقين السائدة في التعليم أو خطب الجمعة التقليدية التي لا تمس الواقع الاجتماعي وليست على دراية وعلاقة وعلم بفقه الواقع. التغيير لفظة لافتة وجاذبة وما تعنيه يذهب بعيداً وعميقاً في أهمية التعامل معها ليس بوصفها لفظة تقال في خطاب سريع ولكن بوصفها لفظة تحمل دلالات كبيرة وعميقة انه التغيير الذي يركز على تنظيف وتكنيس الافكار السوداء من العقول التي تؤمن بالثابت والساكن ولا تؤمن بكل ما هو جديد في الفكر ومتحرك والذي في المعرفة يذهب باتجاه المستقبل. الثقافة الحقيقية المضيئة هي التي سوف تقوم بتغيير الواقع الاجتماعي من خلال جامعات تمثل مخرجاتها عامل مهم في عملية صناعة التغيير الذهنية الاجتماعية ومشروع الابتعاث الخارجي عبر العقول العلمية الخلاقة. هذا هو الرهان رهان العلم والمعرفة والثقافة ورهان حركة التاريخ. ذلك إن العقول الصغيرة لا يمكن تغيير افكارها وثقافتها الا بثقافة مضادة كبيرة ومضيئة وخلاقة.