ما أجمل أن يعيش المرء حياته شريكا ودودا متسامحا مترفعا عن التعصب والتحزب والتشرذم وكل صور الانقسام، يعيش على سطح هذا الكون فاعلا متفاعلا بمودة ومحبة بعيدا عن لغات التصنيف والتقسيم والتمايز والتفاوق، فالنجاح الحقيقي لإنسان هذه الأرض أن يستوعب قلبه جميع الصور.. ملامح وقسمات الوجوه ومواضع ومواقع الروح، أن يعنى بفضائل المرء وقيمه أكثر من عنايته بفصائله وقيمته، إن كل من على الأرض موكول إلى أخلاقه وأعماله وتعاملاته وليس إلى بشرته وهيئته وحاله، وكل منهم يعمل على أرض مشتركة لمصالح متبادلة وإن لم ينوها: (الناس للناس من بدو وحاضرة ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم). إن العنصرية البغيضة لا تشكو من قلة «الحيلة»، لكنها تشكو من قلة «الحياء».. ولأن البشر بحسب مونتسيكيو يولدون وهم متساوون، إلا أنهم (لا يعرفون كيف يبقون متساوين)، مشكلة أولئك الأحياء أنهم لا يتصالحون إلا مع موتاهم، فالموت بداية النطق الصحيح لكلمة الحق، أما الحياة فهي ميدان للصراع والتنافس و«اللكنة العصبية». والأعجب أن الشمس الغنية بالعطاء تشرق من أجل الجميع، لكننا نجد من يؤثر الظل، ويدير ظهره للضياء. الحياة مسرح كبير يحتمل الجميع، السعادة فيه طاقة متنامية، ولن تنفد عندما يحصل الأغلبية على أنهار من السعادة، بل كل سيرتوي ويعب منها بمقدار ما يساهم فيها بالقيم الإنسانية والشمائل الكريمة، لن تنفد طاقة السرور لمجرد أننا أصبنا منها أو أتينا على شيئا منها، إنها تتنامى فلا يقاتلن أحد أحدا عليها ولا يحاربن بعضنا بعضا على اقتسامها، وعلى كل فرد أن يعزز من وجود هذه الطاقة بالمحبة والترفع عن الأذى، وأن يمدد منها ليضيء جوانب الحياة، ولكي يدفع عجلة الحياة إلى السير في ميادين الجمال. فما الذي نفقده عندما ينكسر الظلام، وما الذي يرفعنا عندما نخفض من رؤوس الآخرين، لن يضيرنا شيء لو امتلأت قلوبنا بالحب وأشرعنا نوافذ الروح لأنسام الود والصفاء، إننا عندما تمتلئ أنفسنا بالحب نسمو ونزداد رقيا وعلوا وعطاء وأخذا، وإن الانتصار على لغة الشيطان في دواخلنا لا يعطل النتاج، بل يزيد من قوتنا ونمائنا وتوهجنا، وإن التعامل الراقي بين الخلق لا يزيدهم إلا عزا ومنعة ورضى. على المرء قبل أن يقدم على جرح أخيه وبني جنسه وإنسه أن يتأمل جيدا من خلقه ومن خلق سواه؟ ومن أوجده ونعمه وأخذ منه وأعطاه؟ إن المرء لم يختر لون بشرته ولا سوء هيئته ولا ضعف منسبه ولا قلة حيلته ولا نقص مؤونته؟ وإنه ليعلم علم اليقين أن الله حباه وأعطاه وأكرمه في حين حرم غيره من مثل ما لديه،!! والخلق خلق الله والعطاء عطاؤه والرزق قسمته والتمكين مشيئته، فكيف للمرء أن يعترض على أمر الله وخلق الله واختيار الله؟ إن المرء لم يختر لنفسه وطنا ولا حسبا، ولكنه إما أن يختار قناعة الرضا أو قناع السخط!! تلك هدايا الله للأرض، فكيف للمرء أن يستقبلها بتشويه العطاء!! أيسخر الفرد من خلق المكون وصنع المكور؟؟ ثم ألسنا كغيرنا نعاني من تورم الندوب وفعل الذنوب وبعض العيوب؟؟ أكنا نعيش مثالية وعالما مطهرا حتى نعيب على سوانا ما هم عليه؟؟ اعلموا أن بإمكان المرء أن يعيش منفردا في شتات الحياة منفيا في صحاري التيه، لكنه عيش التوحش . وكل يستطيع أن ينأى بنفسه عن الآخر ولن تتوقف الحياة بالتشظي: (كلانا غني عن أخيه حياته .. ونحن إذا متنا أشد تغانيا)