التحرش ضد الفتيات والنساء لا يكمن فقط في الاعتداء الجسدي والاحتكاك المباشر بل يتعدى الى الكلمة الخادشة والنظرة الجريئة والايحاء السخيف.. فالعنف الذي يحيط بالنساء اصبح محل نظر مختلف الجهات واوساط معاهد البحوث فخرجت كثير من الاصوات تنادي بسن قوانين صارمة تجرم الفعل المشين ولا بد أن يطال العقاب صاحبه، وبصدور قانون الحماية من الإيذاء يطالب كثيرون بتطبيقه بشكل دقيق ليضمن للمرأة حقها وكرامتها حين تتعرض للأذى البدني أو النفسي. متخصصات وأكاديميات فتحن ملف التحرش والعنف ضد المرأة في ندوة نظمتها (عكاظ) واشرن إلى أن المرأة تلعب دورا محوريا في وقوع الاعتداء عليها بالصمت او الاستدراج. ودعت إحدى المشاركات إلى إيجاد خط ساخن لبلاغات التحرش والايذاء والعنف بكافة اشكاله، فيما اعتبرن المتحدثات الصمت وثقافة العيب من اهم الاسباب التي تشجع المعتدين على افعالهم.. ويتزايد الطلب بمضاعفة العقوبات والتشهير مع توسع عمل المرأة في الفترة الحالية ليشمل الكثير من المجالات وهو ما يستوجب التطبيق الصارم لكل محاولة تحرش. صمت خجول هل المرأة تتحمل جزءا من العنف والمخشانة والتحرش التي تتعرض لها بصمتها واستسلامها وخوفها من كلام الناس .. تجيب على ذلك نوال بازرعة مستشارة التدريب الحاصلة على ماجستير في الموارد البشرية بقولها: إذا صمتت المرأة على أول حالة عنف ضدها فهي بذلك تستسلم للخطر وتتحمل تبعات صمتها بل مخطئة فالمفترض أن تحافظ على نفسها من العنف وأن يكون لديها الوعي الكافي لذلك حماية لنفسها وصيانة لبنات جنسها.. أن صمتت المرأة يعد بمثابة الضوء الأخضر لزيادة العنف عليها واستمراره دون توقف ضدها وضد غيرها، اما التحرش فهو خلل نفسي يصيب المنحرف ويبعده عن الطريق السليم وبالرغم من صرامة القوانين وقسوتها في بعض البلدان العالمية الا ان نسب الاعتداء على الاناث والتحرش ظلت مرتفعة فأغلب المتحرشين بشكل عام يعانون الكثير من الاضطرابات والتعقيدات في حياتهم الأسرية ما يدفعهم الى الوقوع في المحظور. ثقافة العيب وتتابع الناشطة الاجتماعية ومدربة الموارد البشرية فاطمة قاروب المداخلات في الندوة بالقول: يجب أن الشعور بحرمة العنف والتحرش على المرأة وأن يغض البصر، التحرش يعتبر نوعا من الإيذاء بغض النظر إن كان تلامس أو نظر أو غيرهما، لا بد أن يحمي القانون المرأة من الألفاظ الخادشة التي تتعرض لها، هناك قوانين تطبق للحيلولة دون حدوث أي تحرش داخل بيئة العمل أو الأماكن العامة، لكنني أعتقد أنه ليس من قانون سيردع أحد إلا إذا لم تحترم المرأة ذاتها وتكون أكثر حذرا في تعاملها وحديثها، وطالبت قاروب بعدم انتظار وقوع الحالة لتتم إدانتها بل العمل الجاد لمنعها من الحدوث ومن الضروري أن يرتفع معدل الوعي الاجتماعي وأن تختفي ثقافة العيب في التعامل مع المتحرش. استدراج النواعم المستشارة التربوية والأسرية عائشة عادل تشير في مداخلتها الى التعريف الموحد والمجمع عليه للعنف ولكن يظل مفهومه مختلفا من مكان إلى آخر بحسب اختلاف الثقافات وجغرافيا المكان وربما في مكان ما حين يتم ضرب المرأة على وجهها يعتبر تصرفا عاديا لدرجة أن المرأة ربما لا تستاء كثيرا ولا ترفض هذا الامر فلربما تعودت على ذلك، بينما في بعض المناطق أية محاولة إيذاء ولو كان على المستوى النفسي او اللظفي يعد عنفا فلذلك الأمر مرهون بمدى اتساع واختلاف الثقافات من مكان إلى آخر . تتابع عائشة: أسهبت في كتاباتي في الحديث عن التحرش، ومن خلال رحلاتي وتنقّلي من بلد الى آخر اكتشفت ان التحرش منتشر في المجتمع بشكل أكبر.. وذلك يعود لعاملين اساسين هما ضعف تطبيق النظام والقوانين المتعلقة بالعنف بالإضافة إلى أن المرأة تساهم بطريقة أو بأخرى في تحمل اسباب ودواعي العنف والتحرش إما باستدراجها للرجل أو بطريقتها في الحديث، مثلا (ذات مرة أردت تقديم ورقة عمل حاولت من خلالها أن أخلص إلى معرفة الطرق التي يسلكها الشاب للتحرش بالمرأة.. فأخذت مكانا قصيا في أحد المراكز التجارية وبدأت المراقبة لفترة واكتشفت أن المحاولة تبدأ من الشاب الذي يلقي النظر في عين الانثى فإن وجد استجابة وموافقة يمرر عينه على باقي أجزاء جسد الضحية ويبدأ في محاولة المعاكسة والتحرش ولذلك تساهم المرأة في التحرش بها). الفعل وردة الفعل تواصل المستشارة عائشة، إن المتحرش حين يعاكس ويتحرش بالأنثى ويؤذيها دون أن يجد عقوبات تنال منه أو قوانين رادعة تشهر به وتحسم امره فإن ذلك مدعاة كي يتمادى في مواصلة افعاله القبيحة والمرفوضة، ولا بد أن يكون العقاب للطرفين الرجل والمرأة على حد سواء فلكل فعل ردة فعل فإذا أخطأت المرأة وبادرت بتصرف مرفوض لا بد أن تنال عقوبتها أيضا لأن التحرش ليس من الرجل فقط. إن امر التحرش يحتاج إلى لفتة قوية وصارمة من الجهات المختصة وأن تطبق عقوبات صارمة وواضحة وأن يطال التشهير المخالفين وتنفذ العقوبات امام جمع من الناس بشكل علني. المستشارة عائشة اقترحت في مداخلتها انشاء خطوط ساخنة بحيث تتصل المعنفة مع المختصين والمختصات لتلقي إرشادات وتوجيهات معينة تمكنها التعامل مع الموقف بدلا من أن تبحث وتتقصى عن مستشاريين وتجدهم بصعوبة، علما ان هناك نوعين من التحرش، العرضي وهو بسبب وجود استفزاز أو شيء يجعل المتحرش يقوم بعمله، وتحرش آخر هو مرضي وتتوالى فيه الحالات. الماء الساخن في مداخلة نجود عداوي من منسوبي مؤسسة القسم النسائي لتنفيذ الأحكام الحقوقية والناشطة الأسرية والاجتماعية، رأت أن القانون موجود لكن التطبيق لا يكون بالصورة المطلوبة، والفتاة تتردد في الابلاغ عن حالات العنف والتحرش لان هناك من يمنعها من الحديث في مثل هذه المسائل الحساسة ولابد أن تفهم المرأة وتكون أكثر وعيا لما يقع عليها وأن تتجه للجهات المختصة للإبلاغ عن ما يحدث بحقها. أما الدكتورة سحر رجب المستشار النفسي والأسري والمدرب معتمد من المجلس العربي فقد روت حالة عنف على طفلة في الثامنة من عمرها تعرضت الى ايذاء من زوجة الأب التي كانت تحميها بالماء الساخن، وبعد علاج الضحية تم استدعاء زوجة الأب واخضاعها للعلاج النفسي. لوحات السوق المستشارة الأسرية مها حبيب تقول: نسمع كثيرا في وقتنا الحالي عن التحرش والعنف ضد المرأة وقبل التطرق الى الأمر من كافة جوانبه لندرس اولا أسباب التحرش منها الابتعاد عن الدين من الجنسين، الإعلام السالب له دور وأعني بذلك بعض القنوات الفضائية والأجهزة الذكية الحديثة، والأهم من كل ذلك أن المرأة لها الجانب الأكبر في سبب التحرش بتبرجها وخروجها بكامل زينتها وإبراز مفاتنها وجرأتها، كل ذلك يعرضها للتحرش والألفاظ الخادشة للحياء. كما ان الرجل لو يتذكر أن الله سبحانه وتعالى مطلع على كل الناس ومنهم من يستبيح الحرمات وأعراض الناس وانه كما يدين يدان.. وينسى ان له أختا وأما وبنتا وزوجة .. ولو ادرك ان هناك عقوبات صارمة تجرم مثل هذا الفعل لما تجرأ على فعلته ولغض البصر وتراجع عن سلوكه. وتأمل مها حبيب وضع لوحات في الأسواق والأماكن العامة تحوي آيات قرانية وأحاديث شريفة تدل على عدم جواز هذا العمل وحجم جرمه مع تطبيق العقوبة الصارمة على المعتدين حتى نتخلص ونقضي على كثير من المشاكل المتعلقة بالعنف والتحرش والإيذاء. تطيبق صارم خريجة كلية الاعلام صالحة الغامدي ذكرت في المداخلة أن تعريف التحرش الجنسي ضد المرأة يعني انه عبارة عن سلوك وفعل ليس شرطا أن يكون احتكاكا جسديا بل ربما يكون لفظيا أو مجرد نظرة وهذا الأمر لا بد أن يعمل المجتمع على إنهائه وأعتقد أن العقوبات الرادعة والتطبيق الصارم هي الحل، بالإضافة إلى التزام الفتاة بحشمتها لان هذا عامل مهم في حمايتها من وقوع الاعتداء عليه. ومن جانبها ذكرت المحامية بيان زهران لا يجب أن نضع اللوم على المرأة، وتساءلت لماذا يلتزم الرجل بالقوانين حينما يسافر ليس من المنطق بأي حال من الأحوال أن يتحرش الرجل بالمرأة لأنها لم تغط وجهها ولا يبرر ذلك للرجل أن يتحرش بها إطلاقا. الردع والمسؤولية نوال عثمان الزهراني الأخصائية النفسية والمستشارة الأسرية لا تنكر وجود حالات عنف واعتداء وبحكم وظيفتها واختصاصها فإنها تدرك أن ثلاثة أرباع نسبة الحالات التي تعنف فيها المرأة إما أن يكون الرجل متعاطيا أو مضطربا. والاضطراب كما هو معلوم علميا له عدة عوامل وراثية أو تربوية، وللاسف فالمرأة في كثير من الأحيان تقود الرجل إلى المنطقة الخاطئة في التعامل معها.. ومن واقع تجربة فالرجل يعشق العيش في هدوء سلام ولا يريد استفزازا ومتاعب آتية من المرأة ولكن بعض النسوة لا يتوانين عن استفزاز الرجل. وتضيف الاخصائية نوال: هذا الحديث م ليس تبريرا للرجل ودفاعا عنه لكنه واقع يحدث كثيرا ونقف عليه بحكم عملنا وخبراتنا فهناك من يعاني من اضطراب ما يجعله يختار اسلوب ومنهج العنف. أما الرجل السوي فهو ذو بال طويل ولا يمكن أن يتورط في عنف أو تحرش أو ايذاء ضد المرأة إلا اذا دفع دفعا الى ذلك طبقا للاضطراب الذي يعاني منه. وهناك نوع من العنف يمارس ضد المرأة لا ننتبه له وهو العنف اللفظي والنفسي الذي يصل إلى القذف أحيانا وتحتاج إلى عقوبة مشددة. وتضيف بأن الوضع الآن بات أفضل في السابق فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية حيث تجرى بحوث اجتماعية واسعة في المدارس عن بعض الحالات التي يلاحظ عليها تغيير في السلوك خصوصا في المؤسسات التعليمية التابعة للبنات حيث توجد في بعضها اخصائيات يتحدثن مع الطالبة لمعرفة ظروفها ونمط حياتها وما تتعرض لها، كما ان الإعلام أصبح دوره إيجابيا حيث بات يثير الجدل ويجب عليه أن يطالب الجهات التشريعية بمزيد من الحلول وتفعيل القوانين بالتطبيق والتشهير باعتباره ضرورة لإنهاء جزء كبير من المشكلة حتى يرتدع من لا يرتدع.