من سمات هذا الشعب العظيم أن الغالبية العظمى منه كائنات ليلية لا يطيب لها النوم، لدرجة أنني أتخيل أننا ولدنا دون ساعات بيولوجية، حيث ينام الواحد منا في اللحظة التي يشاء، ويصحو متى ما شعر بالإرهاق من كثرة النوم!، ولكن كل ذلك لم يقنع الوزارات التي تقف وراء قرار إغلاق المحلات في الساعة الناسعة مساء، حيث لم يفكر أحد ما الذي يمكن أن يترتب على مثل هذا القرار العجيب، وطبعا لأن المحللين الاقتصاديين هم أكثر أناس يبيعون الكلام الرخيص، فقد أظهروا ميزات عجيبة لهذا القرار، منها تخفيف زحام السيارات، وتوفير الطاقة الكهربائية، وتخفيف استهلاك البنزين، وتقليل ساعات العمل بالنسبة للعاملين في هذه المحلات، ومليون ميزة وميزة، بعضها لا يخطر على بال بشر!. حسنا.. ما دام استعراض الميزات بهذه السهولة، أرجو أن تسمحوا لنا باستعراض العيوب والسلبيات الناتجة عن هذا القرار، وأولها أن هذه المحلات تغلق في أوقات الصلاة، بحيث يحتاج البائع والمشتري إلى وقت أطول كي تتوفر لهما فرصة البيع والشراء، كما أن الأجواء الحارة والانشغال أثناء ساعات الدوام لا تسمح بالاستفادة من الفترة الصباحية، وليس من المعقول أن يستأذن الرجل من عمله كي يشتري حنفية، أو تستأذن المرأة من جهة عملها كي تشتري عباءة أو علبة مكياج؛ لذلك فإن ساعات فتح المحلات محدودة ولا تحتاج هذه الفذلكة الجديدة. كما أنه من بين عاداتنا وتقاليدنا (مكاسرة) البائع من أجل الوصول إلى السعر المناسب، حيث لا يعترف البائع ولا المشتري بالأسعار الثابتة المكتوبة على البضاعة، وإغلاق المحلات في هذا التوقيت المبكر سوف يؤثر بالطبع على هذه العادة الأصيلة، ويصب في مصلحة البائع الذي سوف يطرح السعر الذي يريد قبل أن يدق جرس التاسعة مساء، أما بالنسبة للنساء فإن الواحدة منهن تحتاج إلى ساعات طوال كي تقلب البضائع وتعيد فرز الألوان وتمارس هوايتها الأصيلة في التردد ودراسة الخيارات المتقاربة، وكل هذا سوف يتغير، حيث سيجبرها النظام الجديد على القبول بالخيار الأول تحت ضغط الوقت الذي يجري بسرعة البرق. وما هو أهم من ذلك كله أن السوق يعد من المباهج القليلة التي يمكن تتوفر دون منغصات، فأين يذهب الناس بعد التاسعة حين تغلق المحلات أبوابها، وما هي الأماكن العامة التي يمكن اللجوء إليها في هكذا أجواء، فحتى معرض الكتاب يعد بالنسبة لبعض المتشددين شكلا من أشكال اللهو المرفوض؛ لذلك أتوقع بعد أن تغلق المحلات في التاسعة سوف يضطر الناس إلى البقاء في بيوتهم وتكثر حوادث العنف الأسري التي سوف تنشأ بسبب شدة الملل من الروتين اليومي الذي أصبح إجباريا بصورة لا تطاق. كما أن اختيار هذا التوقيت لإغلاق المحلات لن يقود إلى تخفيف الزحام المروري كما يقول أحد المحللين الاقتصاديين، بل على العكس من ذلك سوف يزيد من الحوادث المرورية الناتجة عن السرعة المخيفة للحاق بالمحلات قبل إغلاقها، حيث سيلاحظ الجميع ارتفاع نسبة الحوادث في الساعة التاسعة إلا خمس دقائق، تماما مثلما يحدث في الدقائق الأخيرة قبل أذان المغرب في شهر رمضان المبارك. هل رأيتم؟.. يمكن بسهولة الحديث عن العديد من السلبيات التي يمكن أن تنتج عن هذا القرار، مثلما استطاع المحللون الاقتصاديون أن يتحدثوا عن العديد من الايجابيات الناتجة عنه، وسوف تمر الأيام ليكتشف الجميع أن التخطيط على الورق سهل جدا، ولكن الصعوبة في كيفية تناغم القرارات مع الأمر الواقع.. وتصبحون على خير كلما جاءت الساعة التاسعة مساء!. [email protected]