كتابة: نمر سعدي/ فلسطين أخرجت قلبي كسمكة صغيرة من النهر وأسكنته قلب المحيط هذه حالة ليست ملتبسة بقدر ما تظنين فلماذا تريدين أن أفسرها لك أكثر فأنا أستطيع أن أقول لك على سبيل المجاز كم أحب الموسيقى المغربية مثلا ولكن لا أستطيع وصف النرفانا التي تسببها لي.. فكلما أردت الكلام تتساقط الكلمات مني كالقبل الهاربة. *********** حب الموسيقى في كان وراء شغفي بالتفاعيل والغنائية.. وليأت شاعر يقنعني بقصيدة النثر كأنسي الحاج أو محمد الماغوط كي أسلم له مفاتيح قلبي.. الشعر الممسوس بكهرباء الموسيقى عالية الشحنة له طقوسه الغرائبية ومشهده النوراني ونفسه العذب منذ جرير والبحتري وأبو تمام والمتنبي حتى أحمد شوقي والسياب ومحمود درويش كلهم كان يدخل في حالة وجد موسيقي حين يكتب أو تتلبسه روح أبولو أو فاغنر. *********** عندما صمت قلبه في الظهيرة الأخيرة كان يتناول فطوره السماوي ممسكا رغيف خبز بيمينه بحركة ضاغطة لا ارادية. وماذا قال.. ؟ لا شيء كانت عيناه تحتشدان بالغصص والأسرار المبهمة.. وبكل شيء.. هكذا حدثني أخوه الأكبر البارحة.. الأنقياء دائما يذهبون إلى الله. ********** يحيرني الذي يقول كن طيبا كحمامة وحكيما كأفعى.. كيف يحسن جمع الضدين؟ يا له من طباق. ********** شجرة الزيتون التي تجز ضفائرها وتقتلع من التراب بمثل هذه الوحشية الفارهة تبكي.. تبكي بحرقة واختلاج.. أسمعها تبكي.. أسمعها تتنهد.. بكاء الشجرة أكثر بكاء موجع في الدنيا.. بكاء الشجرة... الشجرة المرأة. ********* كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة.. نعم هو كذلك يا نفري فقد ازداد شطبي وحذفي حتى لم يتبق لي من الصفحة المخطوطة ذات القطع الكبير أكثر من سطر واحد مكون من عدة كلمات.. يا لهذا المعنى السراب. ********** قال همنغواي: أكتب كأنك تموت غدا.. هل سمع بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ولآخرتك كأنك تموت غدا؟ ********* صدقا أقول: ليس ثمة جمال لم يكن عبئا على قلبي. ********* الظاهر أني لن أبرأ من مرض الحنين.. وإلا فما هو سر غرامي بالأمكنة؟ اليوم مثلا تحسست بعيني مناطق كثيرة في وسط البلاد وفي المثلث كأني أنظر إلى جنتي الموعودة.. أهو شوق آدم المخبوء في إلى الجنة التي طرد منها.. آه يا أمي الأرض.. في قلبي مليون حشرجة.. لم يبق لي سواك. ********* الضوء الأزرق للمدهش الراحل حسين البرغوثي ينتمي إلى صنف الكتب العظيمة التي تترك فينا شيئا ما .. تكسر ضلعا برفيف فراشة .. نتغير طفيفا بعد قراءتها.. لم أنم قبل عدة أيام حتى أتممت قراءة الصفحات المئة والثمانين خلال عدة ساعات وهو رقم قياسي بالنسبة لي، إذ نادرا ما أنهي رواية بمثل هذه السرعة.. والأجمل من كل شيء أنها تصيبك بنعمة الصمت.. شكرا لك حسين البرغوثي أعتز بأنني أقرأ لراء عظيم مثلك. ********* لا أعرف سبب تسرب الملح الأسود المر والقاسي إلى طعامي ومائي وهوائي صباح هذا اليوم ليغمس خبزي بالدمع الذي لم أصدق عجزي الكامل عن رفضه وأنا أشاهد النساء والأطفال في مخيم اليرموك وهم يبحثون حتى عن الأعشاب البرية التي لا تصلح للأكل لإسكات جوعهم. كأن محمود درويش كان يراهم بقلبه عندما قال وأنت تعد فطورك فكر بغيرك لا تنس قوت الحمام. ********* أسرق شهقة الشعر من امرأة عابرة بسيطة وطيبة القلب جدا تقول على بعد قمر مني أنام بعينين مغمضتين وقلب مفتوح أو الحب تغريبتي في بدئي ونهايتي فطوبى للغرباء.. طوبى لقلب سمكي في الماء. ********* لا أقول إنها تستطيع أن تجعل الزمان يتوقف عن جريانه كرمى لجمالها الأوحد أو ينتظر كغودو تحت شجرة الشمس.. أو مثلا باستطاعتها أن تجعل كل أيام السنة ربيعا لا يذبل.. فكل هذا مجاز لا يسمن ولا يغني من حقيقة.. يكفيها أن باستطاعتها أن تمسك بالنظرية النسبية بيدها وتطلقها كطير أخضر في الفضاء اللا متناهي. يكفيها أنها تربي على يديها القصائد كلها.