عام مضى وأهلنا في بلد (الأموي) ينادون بملء قلوبهم أقدم يا نصر على أطلال شامهم الجميل وكأني بالجواهري يشد من أزرهم في قصيدته.. ذكرى دمشق الجميلة.. قائلا (ثباتا يا دمشق على الرزايا .. وتوطينا وإن ضاق الخناق). عام والورد الأبيض يغتسل في دم أطفال البلد الجريح، وأشجار التفاح لم تستيقظ باكرا كعادتها لتعطر الدروب بأنفاس الفجر.. وحتى المآذن العتيقة هجرتها تكبيرات السلام وباتت موحشة كثقب أسود في جسد بارد. مثقلة كلماتي هذا الصباح وكأنها تسير بقدم واحدة ونصف رئة على بقايا رماد ساخن في قلب بلد مزق الألم خاصرته. أخبروني.. ما يفعل الياسمين وحيدا بعد أن هجرته تلك الصبية (مريم) في يوم عيده ولم تغسل برائحته شعرها الداكن المنسدل على كف أمها؟ ولمن تغني النواعير أغنية الصبر على رذاذ الماء؟ وكيف سيرقص الحرير والأنامل البيضاء مبتورة؟ جريح أنت يا (شام) ولكنك لا تموت.. تبكي عطرك الذي تحول لبقايا أشلاء فوق التلال وأسطح القرميد الأحمر.. وأزهار الليمون التي غفت ولم يطلع فجرها لتتفتح. يا لهم من جبناء، مساكين.. لا يعلمون أن دموعك ستنبت ياسمينا ونرجسا يشبه الشهداء، وأنين الأمهات، وصراخ الأطفال. دمشق يا فاتنة الجمال ها هو الشتاء يودع ساحاتك ونهرك دون أن يعطر قلبه برائحة الخبز.. لم يودعه الجيران بكأس (شاي) معطر ولا بقهوة سوداء زكية.. لقد كان حزينا لأنه لم يسامر حكاياتك ولم يغف تحت صفصافك كما كان يفعل.. حزين لأنك كنت قصيدته التي طالما سمعها في لون عناقيد العنب، ورقصة السنابل، وتساقط الثلج. يا بكاء الحوانيت والأزقة والمآذن في عتمة الظلم يا دمشق.. أين أنت يا نزار لتصيح فينا (مآذن الشام تبكي إذ تعانقني .. وللمآذن كالأشجار أرواح) لعلنا نثور كالبراكين. حتما سيأتيك الربيع قريبا ويتحول الحزن الأسود لغابة من قناديل.. ويعود الحمام لشرفات الحي القديم.. وسترتدين يا دمشق ثوبا ناصعا كسحاب (قاسيون).. ولن تبكي بعدها يا (بردى). سيغسل الدم الطاهر دنس الأرض ومن ثم يصعد للسماء على جناحي حمامة دمشقية وسنأتي إليك حسناء فتية. [email protected]