هؤلاء بسطاء.. لكن سعداء، لا تراهم عيون الضمان الاجتماعي، ولا تعبر على منازلهم البسيطة جمعيات الخير والإحسان، فأصبحوا أرقاما وإحصاءات في الأحياء البعيدة، يعرفهم السكان بسمات الحاجة في عيونهم، وفي تصدعات منازلهم البسيطة السعيدة. فقراء نعم، لكن أغنياء وأثرياء من التعفف. بل إن حياتهم البسيطة تمضي هكذا دون تعقيدات أو مشاكل أسرية أو اختلالات اجتماعية ويشعرون بالهدوء وراحة البال. يمضون حياتهم - كما هي - في ضيق حال، ومع ذلك لا يعرفون اليأس والاستسلام ويدركون الكد والتعب والمعاناة، لتوفير ما يعينهم على مواجهة أعباء الحياة التي تتزايد يوما إثر يوم. صحيح أن حياة هؤلاء كثيفة بالمفارقات، غير أن ذات الحياة كثيرة بالمثل والقيم والتمسك بالفضائل. لا شمعة.. بل قلق بعضهم لا تهمه حياته كيف يعيشها، لا يهتم إلا بتأمين لقمة شريفة لأبنائه وأسرته، وإن كثر عددهم وتعددت مطالبهم واحتياجاتهم، يعيشون حياة بسيطة مرنة، منهم من يضم أبناءه لحضنه الدافئ ملتحفا سقف منزل لا يقي من برد، بساطهم بلاط محطم، ومنهم من لا يجد شمعة يضيء بها عتمة الليل وتنير له الطريق أو تدله على طريق أبنائه وهم نائمون في غرف بالكاد تقاوم السقوط والانهيار على رؤوسهم في أي لحظة، لكن دفء الأسرة وضحكات الصغار تملأ حياتهم بالسعادة والحبور. من نتحدث عنهم، متعففون يقطنون في منازل مهجورة، رحل عنها أهلها بلا عودة، فاختاروا السكن في المهجورة لعجزهم عن إيجاد مأوى يجمعهم كأسرة واحدة في سقف ثابت لا ينهار، فعاشوا وسط أحياء لا تبعث في قلوب زائريها غير الخوف، يحيط بهم عدد من المجهولين الهاربين من قبضة رجال الأمن، وجد هؤلاء أنفسهم في عزلة عن كل ما من شأنه أن يعينهم على تجاوز ظروفهم المعيشية ويؤمن لهم ولأسرهم حياة سهلة. أحلام الصغار عمر غالب، في العقد الرابع من العمر يحمل شهادة المرحلة الابتدائية، عمل موظفا في أحد القطاعات، وشاء الله أن يصاب بمرض فقرات الظهر، ما أدى إلى توقفه مجبرا عن عمله، ولم يحصل على حقوقه من نهاية الخدمة التي فصل منها برغم مطالباته أكثر من مرة - طبقا لأقواله، ما تكفله براحة بال وضمير، بحياة معيشة لأسرة قوامها 10 أفراد أغلبهم أطفال، منهم أربعة يتلقون تعليمهم في المدارس. ويقطن غالب في منزل متهالك مستأجر ب1200 ريال، وتأخر عن سداد الإيجار منذ شهرين. «عكاظ الأسبوعية» زارت منزله ورصدت معاناته وأطفاله الأكثر حاجة للمعيشة والكساء والكتب، وكل مستلزمات المدارس من أقلام وكتب وحقائب ونثريات يومية وخلافها، فضلا عن حاجة الصغار إلى كل ما يحتاجونه من ألعاب ووسائل لهو وترفيه، يقف الأب عاجزا عن توفيرها. غير أنه يغمرهم بعطفه وحنانه وأمله في انفراج الضيق في أي لحظة. يقول غالب: المعاناة حقيقية وأحيانا يتغيب صغاري عن مدارسهم بسبب عجزي عن توفير ما يعينهم من مصروفات ونفقات يومية، ومع ذلك يعيش في هدوء بال وراحة نفسية، لا تشغله شواغل الدنيا عن دفء أسرته وحنان أطفاله وتعلقهم به. ويضيف: أحمد الله على ما قسم لي أنا وزوجتي وأطفالي.