يبدو أن اللعبة بين روسيا والغرب غير متكافئة، إذ بينت أحداث أوكرانيا أن الطرفين على نقيضين مختلفين، الأول يحاول فرض استراتيجيته والثاني يحاول حماية محيط مصالحه. فالغرب وأمريكا يرفضان الاقتناع بأن رجل الكرملين لا يحمل نفس القناعات ولا نفس الأولويات، بينما يرى الخبراء أن بوتين يحمل رؤية، أو مذهبا قائما على الاقتناع بأن اختفاء الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين لذلك يسعى إلى استعادة المجد الضائع من الإمبراطورية السوفياتية. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن رجل الكرملن قد تعهد أنه لن يتنازل قيد أنملة على حلم الإمبراطورية السابقة، وأنه لم يكن ليمنع انضمام دول البلطيق إلى حلف شمال الأطلسي. وأنه سيسعى لفرض الهيمنة الروسية وسيرد بقوة حيثما رأى أنها تتعرض للتهديد. وعليه فإن سيادة الدول المجاورة لروسيا ستكون محدودة مثلما كانت عليه في الحقبة «الستالينية» السوفياتية. لقد كان مقترح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في عام 2008 للغرب بتقديم تسوية أمنية جماعية في أوروبا قد أخرج روسيا نوعا ما من «العقدة البريجنيفية». فالمقترح منع كل دولة أوروبية من الانضمام إلى أي تحالف أو كيان دولي لأن هذا الخيار من شأنه أن يتعارض مع مصالح دولة أوروبية أخرى. وقد اعتبرت خطوة فلاديمير بوتين تحديا مهما لأوروبا اليوم لأنها جاءت ضاربة للمصالح الأوروبية وتحديا لها. أوروبا التي استوعبت الدرس جيدا، خاصة أنها تعلم أن بوتين لا يمكن أن يتصور شكل روسيا بدون إمبراطورية تخضع الجميع لسلطتها. فالنزعة التوسعية لروسيا اليوم أصبحت تهدد الكيانات المجاورة ومن ثم تهدد المصالح الغربية حتى في الأطراف البعيدة، لذلك تحاول أوروبا استباق السياسية الروسية وذلك بفرض عقوبات جماعية من خلال الاتحاد الأوروبي على روسيا. فالزعماء الأوروبيون الذين اجتمعوا لمناقشة الأزمة في أوكرانيا قرروا فرض عقوبات سياسية ضد النظام الروسي، حسب ما أورده رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، ووافقوا على اتباع نهج تدريجي للعقوبات، على ثلاث مراحل، لإجبار روسيا على «التفاوض» حول الأزمة الأوكرانية، بما في ذلك تعليق المحادثات مع روسيا بشأن مشروع اتفاقية ثنائية حول تحرير الاستثمار والتأشيرة. معتبرين أن قرار برلمان جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي، والمسيطرة عليه الجماعة الموالية لروسيا والقاضي بضم المنطقة الأوكرانية لروسيا، يعتبر غير قانوني، وهو خطوة أقرب إلى تقسيم أوكرانيا بإعلانها إجراء استفتاء يوم 16 مارس للمطالبة بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. عقوبات أخرى ستتخذ ضد روسيا، حسب رئيس الديبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس، وتمس أقارب الرئيس الروسي. واعتبر وزير الخارجية الفرنسية أن الاستفتاء في شبه جزيرة القرم غير دستوري. هذه الحزمة من العقوبات، أثارت امتعاض سيرغي لافروف، معتبرا أن الخطوة التي تبناها الاتحاد الأوروبي في أعقاب استقباله لرئيس الوزراء الجديد في أوكرانيا، ارسيني ياتسينيوك، والدعم الذي سيوفره الاتحاد الأوروبي له بمثابة تحد لروسيا وهو ما لا يقبله رجل الكرملن، على حد تعبيره. كما أنه شدد اللهجة على الاتحاد الأوروبي مطالبا إياه التراجع عن قرار عدم إدراج روسيا في اجتماع مجموعة الثمانية في السوتشي وأن القرار سيكون له تبعات خطيرة يتحملها كل الأطراف. في السياق ذاته، كانت بروكسل قد أعلنت، على لسان هيرمان فان رومبوي، عن اتفاق الشراكة مع كييف قبل الانتخابات في 25 أيار في أوكرانيا. وقال رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو أن ذلك يندرج في إطار المبادئ العامة للتعاون، والتعاون السياسي والسياسة الخارجية والأمن. وأنه يعتبر دعما لكييف.