في سبتمبر الماضي نشرت صحيفة (يو إس أي توداي) الأمريكية صفحة كاملة بمناسبة بدء بث قناة الجزيرة أمريكا، تضمنت محاولة لقراءة أهداف القناة لا تخلو من استغراب وتشكيك في صحة ودقة ما صرح به المسؤولون عنها، ومن أهم الأسئلة التي طرحتها الصحيفة: لماذا تركز القناة على مخاطبة المجتمع الأمريكي، وما هي القضايا التي ستخصه بها، وما هي أهميتها التي تبرر إنشاء قناة خاصة بها. ولم يمض وقت قصير على بدء القناة حتى تأكدت موضوعية تساؤلات الصحيفة المغلفة بالشك، عندما اتضح أن القناة ليست موجهة للمجتمع الأمريكي بقدر ما هي مصوبة باتجاه الأقربين إلى قطر، ولكن من منصة أو قاعدة أمريكية، وكانت المملكة الهدف المفضل لها في معظم برامجها، تلميحا وتصريحا، بالاختلاق والتضخيم والتزوير، إضافة إلى محاولة تسميم علاقاتها وتشويه سياساتها. كتبت مقالا حينذاك عما يبث في القناة، وعن استمرار الشقيقة قطر في تصعيد استهدافها للمملكة إعلاميا في المجتمع الأمريكي الذي يحمل البعض فيه صورة ذهنية مشوشة عن المملكة تريد القناة تأكيدها وترسيخ ما هو أسوأ منها، لكن الصحيفة فضلت عدم نشر المقال واستنتجت أن إعلامنا يفضل عدم الخوض في المماحكات الإعلامية لقطر حتى لو من باب العتب. وحدث الشيء نفسه، أي عدم نشر مقال آخر، عندما هاجم القرضاوي من الدوحة دولة الإمارات بلغة مبتذلة فجة، أعقبها بهجوم ضمني على سياسة المملكة حيال الأوضاع في مصر، وقبل ذلك كله وبعده كان التحفظ كبيرا في إعلامنا على الحديث عن السياسة القطرية إزاء ما تموج به الساحة العربية والإقليمية من أحداث خطيرة منذ 2011م. لكن يبدو أن بعض من يديرون السياسة القطرية فهموا الهدوء والأناة في موقف المملكة فهما خاطئا وفسروه على غير حقيقته، فكان التمادي في اللعب بالنار عنوان الفترة الماضية، ما اضطر المملكة إلى إعطاء إشارات واضحة لقطر بخطورة ما تفعله عليها وعلى جيرانها، ولو كانت قطر لم تعترف بالخطأ ولم تتعهد بمراجعة مواقفها من خلال ما اتفق عليه في الرياض لكان موقفها أقل سوءا، لكنها نقضت كل ما تعهدت به ليتحول الموقف من سياسي إلى أخلاقي، وهذا من أهم أسباب الإجراء الذي اتخذته المملكة والإمارات والبحرين. الفرصة ما زالت قائمة للتراجع عن هذا المسار المتهور الذي سيكلف الشعب القطري الشقيق كثيرا من المتاعب التي لا نتمناها له، وعلى الشقيقة قطر أن تفهم جيدا أن من يزين لها أو يدفعها للاستمرار في نهجها الحالي، إنما يريد لها القطيعة التامة التي تمهد لأكبر الأخطار التي يمكن أن تقع عليها.