كشفت جولة «عكاظ» أن غالبية مصابي الحبل الشوكي داخل مركز التأهيل في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض هم من الشباب وأن 80 في المائة أصيبوا في حوادث مرورية بسبب السرعة المتهورة، فيما بين بعضهم أن النقل الخاطئ لهم من قبل ناس عاديين فاقم معاناتهم وأخر علاجهم، ونصحوا بقية الشباب بعدم التهور في قيادة المركبات. وعلمت «عكاظ» أن المدينة الطبية تعتزم اطلاق برنامج لرعاية المصابين بالشلل الرباعي، فيما كشفت دراسة أن المملكة الأولى عالميا في إصابات الحبل الشوكي مقارنة بعدد سكانها، وتشهد سنويا ما يتراوح بين 2000 و2500 اصابة في الحبل الشوكي، معظمها ناجمة عن حوادث مرورية، فضلا عن أسباب أخرى. وكشف ل «عكاظ» المدير الطبي في قسم التأهيل في المدينة الطبية الدكتور أحمد أبو عباة أن اصابات الحبل الشوكي في المملكة الأعلى عالميا بنسبة 63 في المائة لكل مليون سنويا، وهناك أرقام غير معلنة و80 في المائة من تلك الإصابات بسبب حوادث السيارات، وقال «إن أعمار المصابين من 15 إلى 25 وهم يمثلون الفئة المنتجة وتسبب الحوادث لهم إعاقة بسبب إصابات الحبل الشوكي التي تعتبر من أشد الإصابات بسبب ما تتركه من أثر على المصاب من عدم حركة وإحساس، فقد تحترق قدماه ولا يشعر بذلك إلا بعد أن يشم الرائحة، كما أنه يحرم من القيام بمتطلباته الشخصية ويؤثر على عملية الإنجاب لعدم قدرته على المعاشرة، ويتطلب الأمر برنامج تأهيل خاص بحيث يقبل المريض بوضعه الجديد ويقتنع بأن هذا الوضع سيستمر طوال حياته. وأضاف إن مركز التأهيل في المدينة الطبية من أفضل المراكز في العالم، ويقدم أرقى العلاج الطبي التأهيلي وهو بمثابة مركز للأبحاث العلمية في هذا الحقل، ويتعاون مع العديد من مراكز عسير وجازان ويعتزم اطلاق برامج لرعاية المصابين بالشلل الرباعي الذين يعانون من مشكلات في التنفس، ويعمل البرنامج على زراعة محفز الحجاب الحاجز لمساعدته على التنفس. وعن إمكانية عودة المريض لطبيعته الأولى بعد العلاج والتأهيل، قال «للأسف معظم المصابين لا يمكن عودتهم قادرين على الإحساس والمشي كما في السابق، كما أن العطب الذي يصيب الحبل الشوكي يؤثر على مصنع الحيوانات المنوية لدى الرجل، ما يجعله غير قادر على الإنجاب غالبا، إلا أنه في بعض الحالات التي تكون الإصابة فيها خفيفة يمكن عن طريق أطفال الأنابيب أن ينجب وذلك بالنسبة للرجل، أما المرأة فإصابة الحبل الشوكي لا تؤثر على عملية الإنجاب لديها رغم تأثير الإصابة على القدرة الجنسية لديها. النقل الخاطئ يفاقم الإصابة وحول تأثير عملية النقل على تفاقم الإصابة قال «الإحصاءات توضح أن معظم المصابين تكون إصابتهم قوية، ويكون الحادث خارج المدينة، ما يترتب على ذلك نقلهم من قبل أشخاص عاديين غير متخصصين، ما يفاقم الحالة، فلو كانت الإصابة من الدرجة الثالثة ترتفع إلى الأولى بسبب النقل الخاطئ، ونناشد المسعفين ومن حضر الحادث عدم تحريك المصاب إلا في أضيق الحدود كونه ملقى في الطريق أو أن يكون هناك خوف من احتراق السيارة أما غير ذلك، فيفضل إبقاؤه حتى حضور الهلال الأحمر أو من له الخبرة في نقل مثل تلك الحالات. وعن أهمية استخدام الطرق الحديثة من خلال تقنية النانو لعلاج مصابي الحبل الشوكي أجاب «أفضل علاج لإصابات الحبل الشوكي التركيز على التأهيل، فالمريض يعيش فترة إنكار كبيرة يحاول من خلالها البحث عن علاج بإجراء بعض العمليات، وهناك دول لا تهتم بأخلاقيات المهنة وغير متطورة تعمل على خداع المريض ووعده بالشفاء، ما يجعله يعرض نفسه لتجارب لم تجر على الكائن البشري في المختبرات العالمية وهي لها آثار جانبية مثل التهاب الخلايا المزروعة وتحولها إلى خلايا سرطانية، فلو كانت هذه التقنية موجودة لوجدت عندنا في المستشفى الذي يعني بكل جديد في هذا المجال، خاصة أنه مقبل على إنشاء مركز بحثي مخصص لزراعة الخلايا الجذعية ووضع خطط وضوابط وقوانين لاستخدامها». 3 مراحل علاجية من جانبه أوضح ل «عكاظ» محمود الحواري أخصائي علاج وظيفي في مركز التأهيل في المدينة الطبية أن قسم العلاج الوظيفي يلعب دورا كبيرا في تخفيف الإصابات بعد اجراء العملية وتحديد نوعية الإصابة، وقال تتضمن معالجة إصابة النخاع الشوكي ثلاث مراحل هي الحد من تدهور الإصابة، إعادة تأهيل المريض لكي يتسنى له القيام بوظائف الجسم بأفضل ما يمكن والتعامل مع المضاعفات المحتملة على المدى الطويل، وتأتي إعادة التأهيل كأهم تلك المراحل، حيث أنه بمجرد أن يستقر العمود الفقري وتصبح حالة المريض مستقرة طبيا يصبح بإمكانه البدء ببرنامج مكثف لإعادة التأهيل، ويشمل ذلك المعالجة الفيزيائية والمعالجة المهنية التي تهدف لتقوية العضلات النشيطة المتبقية، وتعليم المرضى طرقا جديدة لرعاية أنفسهم، كما يحتاج المريض لتعلم كيفية تفريغ المثانة وإعادة تعلم كيفية القيادة. من جهته أوضح ل «عكاظ» نايف الردادي أخصائي علاج طبيعي في اصابات الحبل الشوكي أن مراحل التأهيل على حسب الإصابة، مشيرا إلى أن معظم الحالات التي يعالجها من صغار السن من 17 إلى 25 وسبب اصابتهم حوادث السيارات، ثم السقوط في الدرجة الثانية ثم الحوادث الرياضية ثم أمراض مثل الدرن وغيره، وقال «إن علاج تلك الاصابات يتركز على تدريب المصاب على استخدام الكرسي المتحرك والأجهزة التعويضية بعد اجراء العمليات والتكيف مع وضعه الجديد». وقالت نورة المرزوقي أخصائية اعادة تأهيل «إن اصابات الحبل الشوكي سببها عدم الالتزام بأمور السلامة وعدم ادراك خطورة السرعة، وشفاء مصاب الحبل الشوكي يعتمد على المريض وقوة جسمه ودرجة الإصابة التي تعتمد في تحديدها على مقياس المنظمة الأمريكية لإصابات الحبل الشوكي والتي نستطيع من خلاله تحديد درجة الإصابة، وأصعب الحالات تنقسم إلى «أ، ب، ج، د» ومن أصعبها أ، حتى وقتنا الحالي لا توجد علاجات لإعادة الحبل الشوكي لسابق عهده قبل الحادث، وكل ما يتردد عن علاجات هو في طور التجربة والأبحاث». وأضافت إن مركز التأهيل في مدينة الملك فهد الطبية من أفضل المراكز عالميا، إذ يوجد به نظام طبي متكامل من استشاريين وأخصائيين وفريق العلاج الطبيعي والوظيفي واختصاصيين في علاج النطق والبلع والإدراك، كما يوجد قسم خاص للأطراف الصناعية وتوجد لجنة مختصة لتوفير أجهزة للمعاقين ذوي الدخل المحدود مجانا من قبل فاعلي الخير وتوفير أسرة طبية للمصابين بالقطع الكامل في الحبل الشوكي. عبدالكريم القحطاني أحد المصابين تعرض لكدمات في الحبل الشوكي وإصابة في فقرات 11و12و13 في حادث اصطدام سيارته بعمود كهرباء بسبب السرعة، يقول «حينما دخلت المستشفى أكد الأطباء أنه من المستحيل أن أتحرك، ولكن بالعزيمة وروح التفاؤل عملت على تطوير العلاج، وأصبحت أتحكم في منطقة الحوض، إذ أتيت من مركز عسير وأنا في حالة صعبة فاقدا للإحساس تماما وكانت الطريقة التي نقلت بها بعد الحادث غير سليمة، كما تلقيت علاجا خاطئا فاقم من حالتي، دخلت إلى مركز التأهيل وأنا لا أستطيع حتى على قلب نفسي إلا بمساعدة الآخرين، واكتشف مركز التأهيل مكان الخطأ وعولجت علاجا صحيحا وأصبحت أعتمد على نفسي، وأنصح الشباب ممن هم في عمري ويهوون السرعة أن يتريثوا وأن يعلموا أن سرعة ساعة قد تقعدهم دهرا وتؤخرهم بقية حياتهم حبيسي كرسي أو سرير لا يستطيعون مغادرته». ويضيف محمد العمري شاب في العشرين من عمره «أصبت في حادث لأنني كنت أسير بسرعة 200 وتعرضت لشلل نصفي جعلني مقعدا، وأنصح الشباب بتجنب السرعة حتى لا يفقدوا حياتهم ويصبحوا طريحي الفراش طوال حياتهم». أما أنس سالم الغامدي (16 ربيعا) فهو ضحية أخرى للسرعة المتهورة، لم يكن هو من يقود السيارة حيث كان برفقة أخيه، حيث خرجت عليهم سيارة مسرعة تسببت في الحادث، ما عرضه لرضوض في الحبل الشوكي وكسر في الرقبة، ما أصابه بشلل رباعي أفقده الحركة تماما، يقول عمه «بعد إصابة أنس في الحادث بقي ثلاثة أسابيع في مستشفى الباحة لم يتلق خلالها العلاج اللازم كون المستشفى غير معد لاستقبال مثل تلك الحالات، وبعد مخاطبة المستشفى وتقديم معروض نقل إلى الرياض وبدأ العلاج، وكان يعاني من تقرحات في الجسم وحرارة شديدة وبعد العلاج دخل إلى مركز التأهيل وتحسنت حالته قليلا، إلا أن حالته صعبة ولا يستطيع أن يحرك أي عضو من جسده إلا بمساعدة». مبارك الأكلبي ضحية أخرى لحادث مروري يقول «أصبت من سنتين في حادث عندما كنت أقود السيارة بسرعة 200 ما أدى لكسر الفقرة القطنية وبالتالي التأثير على الحبل الشوكي، وأصبت بشلل نصفي ولم أنقل بإسعاف بل في سيارة عادية وبعد العلاج والتدريب بدأت حالتي في التحسن الطفيف».