أحد أبنائنا يشارك في حمل العالم إلى نقطة جديدة ومهمة في مسار الطب، التقيت به صدفة، كان شبيها بالعشرات ممن ينجح خارج أرضه ويظل فاكهة بعيدة عن عيوننا وأفئدتنا، أقول هذا لأسباب كثيرة، وإن كنت على المستوى الشخصي أجد نفسي دائما أنعت الشباب بماء المستقبل، وهو الماء الذي يقيم أود المجتمعات متى ما توفرت له العناية الخاصة لأن يصل خاليا من الكدر. وقد ألف البعض إلقاء تهم التقصير والتقاعس والفشل على شبابنا ونعتهم بالجيل المفارق للجد والمثابرة، ومثل هذه التهم وأخواتها تطارد الشاب في حياته الدراسية والعملية، وربما يجد رجال الأعمال في هذه التهم المعممة فرصة للتخلص من الشباب وعدم إعطائهم الفرصة لإثبات الذات، ولكي نكون منصفين نجد نفس الوضع معمما في بقية الوظائف الحكومية، إذ أن المشكلة تنبع من ذواتنا التي ترى أنها الأقدر والأعرف بإدارة الحياة، إلا أن الواقع يثبت دائما بأن الحياة بحاجة إلى دماء جديدة تكسبها المقدرة على التقدم والإبداع. وقد أثبت شبابنا مقدرتهم على النبوغ والتفوق متى ما توفرت الحاضنة الحقيقية لإظهار تميزهم، وفي معظم عواصم العالم نجد أبناءنا المتفوقين كعلامات بارزة في أعمالهم وفي مختلف المجالات والمناشط الحياتية، سواء في إدارة الأعمال والمنشآت أو في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الطبي أو أو أو... فهؤلاء الشباب يشعرون بالضيم حين نغمط حق تقدير مواهبهم، وربما يتمثلون البيت الشهير للشاعر الجاهلي الشاب طرفة بن العبد: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة .. على المرء من وقع الحسام المهند»، إذ أن الشعور بالظلم يبقيك منتميا، إلا أن حرقة الجوى تظهر مع أنفاسك وأنت تتحدث عن ذلك الظلم أو الإهمال. في أحيان كثيرة أجالس الشباب وأحاول الاقتراب مما يحسون به من إهمال، فأجدني ميالا لأن أقف في صفهم حيال الممارسات المغلوطة التي تواجههم، وكنت محظوظا، إذ سنحت ليالي مكوثنا في طوكيو بأن ألتقي بالدكتور صفوق الشمري الباحث في الخلايا الجذعية، وهو من شبابنا المتميزين والمنتمي وظيفيا لفريق طبي ياباني بجامعة أوساكا حقق أحد أفراده جائزة نوبل في الطب، وهو الفريق الذي ظل يعمل على الخلايا الجذعية وتمكن من تحقيق النجاح في تطوير أنسجة بشرية يتم تجهيزها برتوكوليا في المعمل وإدخالها على القلب المعطوب، فيتم التحام الأنسجة المأخوذة من جسد المريض وتقوم بترميم الأنسجة التالفة للقلب، وقد خرجت هذه التجارب من حيز التجريب إلى فضاء التعميم واعتمادها كطريقة مستحدثة لمعالجة القلوب الواهنة والضعيفة. وفخرنا أن الدكتور صفوق الشمري أحد أعضاء هذا الفريق العلمي الذي نجح في مد خطوة كبيرة لعلاج القلوب التالفة، وعلمت منه أن الفريق اتجه الآن إلى محاولة تكرار النجاح في بقية الأعضاء، بدءا من القرنية، مرورا ببقية الأعضاء البشرية وإن كان تواجد الدكتور صفوق ضمن هذا الفريق، فالمحزن أنه يعمل خارج بلده، وأيضا يحارب من بعض أبناء بلده وهو يعيش بعيدا عنهم بآلاف الكيلو مترات. أليس محزنا أن نحارب كفاءاتنا الشابة بحججنا الوهمية الواهية؟.