هذه الدنيا حلوة، ولها زينة، ومن زينتها «المال والبنون»! وليس أسعد للإنسان من أن يرى أبناءه وقد أصبحوا رجالا ومشهورين وأغنياء وأصحاب جاه وسلطان ويشار إليهم بالبنان. فالابن الناجح فرحة، والابن الغني عز، والابن المشهور فخر وتسعد به الأسرة.. ولكن، أين من كل تلك الصفات (الصفة) الحقيقية التي يجب أن يبحث عنها الأب أو الأم؟ والواقع أنه ليس في كل الصفات التي ذكرت سابقا ما يبحث عنه الأب البعيد النظر. فالأب المدرك لعواقب الأمور، قد يسعده الابن صاحب (الصيت) والغنى، ولكن ليس هو ما يعول عليه أو يتمناه. ما يرجو ويتمنى كل أب هو أن يرى وقد ترك خلفه ابنا صالحا (صلاح تقوى وليس صلاح مهنة)، ابنا يدعو له، فهو الرصيد عندما ينقطع العمل وينتقل الأب إلى الدار الآخرة، فليس ينفعه هناك شيء من (فلاح) الابن، فنجاح ابنه أو شهرته أو سعة رزقه لن تسعفه فيما بعد، وإنما ما يلحق به هناك هو الدعوة البارة في لحظة استجابة من ابن صالح. ليس بكافٍ أن (نخلف) أبناء لكي يعينونا على الحياة، و(يشيلوا) كبرنا أو يصرفوا علينا ويرعوا مراحل شيخوختنا. ليس لهذا فقط كان الإنجاب. وأيضا ليس من أهداف النسل حفظ الأنساب وسيرة العائلة، فهذه أمور مهمة وذات قيمة في الدنيا، ولكن ليس فيما بعد. كل الذي ينفع فيما بعد هو الدعاء. والذي يجري في هذه الدنيا أننا نحرص على تنشئة أبنائنا بالعلم والصحة والشهادات والنجاح في الأعمال الدنيوية التي تفيدهم في حياتهم، وهذا واجب كل أب وأم، والمقصر من يتجاهل هذه الأمور (الحياتية)، و«الكيس من عمل لما بعد الموت»، ومن العمل النافع بعد الموت الابن الصالح. إذا، فإذا كان دعاء الآباء للأبناء كنزا لهم بعد موت الآباء. فإن الابن الصالح هو أيضا كنز للآباء بعد مفارقتهم الحياة.