أحظى مرة أخرى بزيارة اليابان، ضمن زيارة ولي العهد الأمير سلمان، لهذا البلد الأعجوبة في الطاقة والقدرة والحياة. هذا البلد الحضاري الذي نهض من العدم، بعد الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي، الذي شنته الولاياتالمتحدة ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945، ليكون من ضمن أهم الدول الاقتصادية والحضارية في العالم. باتت اليابان دولة عظيمة مع شح الموارد، ووعورة التضاريس. استسلمت اليابان لقوات الحلفاء ووقعت على ذلك، حينها التفتت إلى الداخل وإلى النهضة الذاتية، بعد أن خسرت الملايين من البشر. بسبب آثار ذلك الهجوم أصرت اليابان على أن تكون الولاياتالمتحدة الحليف الرئيسي لها في مستويات الاقتصاد خاصة. إنها مفارقة أن تختار أن يكون عدوك الذي دمرك حليفك، لكن الباحث عن مصلحته لا يعبأ بالمشاعر! المورد الأساسي للاقتصاد الياباني هم «البشر»، لهذا اتجهت نحو تقوية التعليم والتركيز عليه، وعلى صقل القدرة البشرية، لهذا يعتبر الفرد الياباني من أكثر الأفراد في العالم كفاءة وتعليما. فقدت الموارد الطبيعية لكنها التفتت لأهم مورد وهي القوة البشرية. من هذه الناحية يتعجب اليابانيون من كثرة العرب مع قلة تأثيرهم وفاعليتهم. اليابان خلية نحل لا تهدأ لكن من دون ضجيج. نستمع إلى أخبارها في القنوات العربية مع أخبار الزلازل والكوارث، لكنهم يستمعون إلى أخبارنا كل يوم عبر التفجير والاحتجاج والضرب والحرب، فرق كبير بيننا وبينهم. «نوبو أكي نوتوهارا» في كتابه: «العرب وجهة نظر يابانية» يقول: «المجتمع العربي عامة ليس عنده استعداد ليربي المواهب ويقويها، الأمر مختلف عندنا في اليابان، لأننا نعتبر الموهبة الفردية قدرة تحقق نجاحا في حياتنا، ولذلك يراقب الوالدان الطفل ويدققان في قدراته في الموسيقى والعلم والرياضة، هذه ظاهرة اجتماعية في اليابان، كل والدين يرقبان، يبحثان، بعدئذ يقدمان كل إمكانياتهما لدعم موهبة الطفل، في مجتمع البدو مستقبل الأطفال واضح، الولد سيصبح راعيا والبنت عروسا، أما في مجتمع الفلاحين فالأمر متروك للمصادفة». طوكيو بجمالها وسحرها وانتظامها تعطي للعالم درسا، هذا البلد الذي طمس بالقنبلة الذرية قبل 68 سنة فقط يحتل المرتبة الثانية على المستوى الاقتصادي والصناعي في العالم، فهل من معتبر؟!