سبق الراحل محمود درويش إلى اقتناص غيوم النوستالجيا وهو يحن إلى خبز أمه وقهوتها ورائحة منزلها المطيب بعطور الحقل والمزين بمفارش من الصعب أن تغتالها كفوف الزمن، ونكاد ونحن نقرأ هذا العنوان أو نسمع هذا التوصيف أن نلامس بذاكرة الحواس رائحة الخبز الأثير في القرى، المبذورة حباته بأنامل أهل الدار والمحصود بسواعد جماعية، والمداس في جرن بدائية والمطحون بين صوان الرحى، وتتحرك بنا أخيلتنا لنتهجى تطريز ثياب النساء المحاكة والمنسوجة بسبابة وإبهام يهمسان رقة وفنا، ناهيكم عن اندياح الصباحات عن وجوه نساء باسمة يحملن أواني تفيض بالحليب والتمر والإقط والزبد قبل ثقافة العيب، كل ذلك بعد فضل الله كان نتاج إيماننا بثقافة العمل وخلو أذهاننا من العنصرية ضد المرأة ما وفر معظم مأكلنا ومشربنا من أرضنا ونفع مواشينا وصناعة أيدي آبائنا وأمهاتنا الطاهرة التي يحبها الله ورسوله، حتى جاءت الصحوة والطفرة فبردت أطرافنا وأهملنا أوديتنا ومتاجرنا وتحولنا إلى كائنات مستهلكة وعالة على غيرنا، ويأتي مهرجان الجنادرية كل عام ليبهجنا بمساحات فاتنة تعرض فيه الأسر المنتجة بضائعها المصنوعة محليا فتنتعش أرواحنا وتدفأ أطرافنا مؤملين أن تعزز وزارة الشؤون الاجتماعية ميزانية الدعم للأسر المنتجة فالحرفة في أيدينا ضمان لمستقبلنا من كل المخاوف والمحاذير والتوقعات.