جاء الأمر الملكي الكريم الأخير في وقته، الذي يؤسس ويرتب حدود الحرية وعلاقة ابن الوطن بما يحدث حوله من صراعات وحروب وقلاقل، وكيفية تلك العلاقة، وما هو مباح وما هو محرم، وبالتالي ليجرم فكر الإرهاب وأهله ومحرضيه ومروجيه. فالأمر جاء ليعالج داء الإرهاب بحزم، الذي عانت وتعاني منه المملكة وبعض الدول، وليمنع الخروج الفردي للقتال في بؤر التوتر المتناسلة هنا وهناك، والذي يعني بكل تأكيد الانتماء إلى أحزاب وجماعات التطرف التي لا تعترف بحدود الأوطان، والذي يقضي بالسجن لمدة قد تصل إلى عشرين عاما، وليحد من هذه الفوضى غير الجهادية وغير الخلاقة، التي يقودها بعض المشايخ والشباب المتحمس، لكثير من الدول العربية والإسلامية التي تعج بمشاكل وأحقاد وصراعات لا أول لها ولا آخر. وليمنع المبادرات الفردية في جمع الأموال ووصولها لجماعات التطرف وجز الرقاب وإيقاف تغرير البعض بالبعض. فبعد عقود من الحروب المجانية، ومن دفع الغالي والنفيس الوطني دما ومالا ومواقف في المكان الخطأ والزمان الخطأ، وبالتالي آن الأوان لإيقاف اللعبة الخطرة، فهم في النهاية مجرد أدوات في لعبة كونية يقودها رجال عصابات ومخابرات وبائعو مواقف وذمم، فهؤلاء الشباب/الجنود الذين يقطعون الفيافي والقفار والبحار، ويدخلون في حروب مجانية، قال عنهم بول فاليري ذات يوم: (الحرب مذبحة بين أناس لا يعرف بعضهم بعضاً، لمصلحة أناس يعرف بعضهم بعضا.. ولكنهم لا يتذابحون). وهذه الفوضى بلا أدنى شك. سببت معاناة لكثير من الأهالي، بفقدانهم لفلذات أكبادهم، سواء بالموت المجاني أو الانتحاري أو بالسجن الذي لا يعرف له قرار. وهذه الفوضى (الجهادية) أيضا سببت إحراجا للوطن، بترديد اتهامات مغرضة، بوجود أجندة رسمية بوجهين: علنا وقولا ضد الإرهاب، وسرا مع الإرهاب تشجيعا وممارسة. الشاهد أن الأمر الملكي الجديد سيحد من انتشار فوضى الفتاوى (الجهادية)، الذي سيضيق الخناق على تلك الحاضنات التعبوية والفكرية والمادية والدعائية/ الإعلامية، والذي سينعكس إيجابا في الحد من حركة المد والجزر القتالي، والذي يعني الاستفادة من دروس الماضي القريب وعدم تكرار الأخطاء، بتجفيف والقضاء على منابع وتفريخ الإرهاب الذي لم يسلم منه الوطن.