روبرت فيسك يكتب لصحيفة «الاندبندنت» البريطانية من بيروت حيث يقيم، وهو من المعمرين فيها فقد بدأت إقامته قبل ما يزيد على ثلاثين سنة، واهتمامه بالدول العربية في كتاباته وتقاريره الصحافية، جاء بحكم عمله كمراسل ل «الاندبندنت» في الشرق الأوسط، ورغم تميزه في معظم ما يكتب إلا أنه لم يوفق في تناوله للشأن السعودي، وقد أحرج صحيفته أكثر من مرة باعتماده على معلومات من مصادر مفبركة أو مجهولة، وأعرف أن المؤسسات الصحافية في لندن لديها قسم قانوني، ومن مسؤوليات هذا القسم فحص الأخبار قبل النشر والتأكد من سلامتها والتزامها بالمعايير والاعتبارات المهنية، ليس حبا في الصحافي أو الكاتب، وإنما لحماية الصحيفة وتجنيبها الملاحقات القانونية وما قد يترتب عليها من تعويضات وخسارة سمعة، ولست واثقا من أن الأمر نفسه ينطبق على مقالات الرأي، فما يكتبه فيسك أقرب إلى الرأي من الخبر أو التقرير. الصحافة باستمرار لا تهتم إلا بالغريب والشاذ أو غير المعتاد، وخصوصا في الحالة البريطانية، لأن مبيعاتها ترتفع وتنخفض بشكل يومي، ولا توجد اشتراكات شهرية أو سنوية أو عوائد مضمونة، والمنافسة مرهونة بالعنوان المؤثر والمادة الدسمة كل صباح، و روبرت فيسك قال في صحيفة «الاندبندنت» يوم الأحد 5 يناير 2013 بأن المال السعودي يذهب إلى جماعة «داعش» المتطرفة في سوريا، والثانية تشكل فصيلا رابعا وربما خامسا له مشروعه المختلف عن الجيش الحر والمقاومة السورية و نظام الأسد وحلفائه، وكتب في فترة سابقة إن المملكة اعتذرت عن مقعدها في مجلس الأمن، لأنها لا ترغب في وجود علاقات طيبة بين إيران والدول الغربية، ورأى بأن إغلاق الملف النووي الإيراني سيجعل المملكة دولة مهيمنة عسكريا في الشرق الأوسط، وأشار قبلها إلى وثيقة مزورة تحوي أمرا يسمح باستخدام الذخيرة الحية ضد مثيري شغب لم يحدث، ونشرت الصحيفة اعتذارا ودفعت مبلغا محترما بأمر محكمة بريطانية، ثم يعود من جديد ليرتكب خطأ مشابها. يجوز أن ذاكرة القارىء البريطاني قصيرة أو مثقوبة، فالأخبار الدولية تأتي في مركز متأخر قليلا عند البريطانيين وغيرهم، إذا ما قورنت بالأخبار المحلية وأخبار المشاهير والرياضة، وفيسك يحاول بالتأكيد توسيع قاعدته الجماهيرية ومكانته الصحافية عن طريق الإثارة والتهويل، تماما مثلما يفعل الآخرون في الشرق والغرب، و «الاندبندنت» نفسها تخسر مليون باوند شهريا، حسب أحدث التقديرات، وتطلب منقذا يحل أزمتها المالية، ومجرد الأخذ والرد في الموضوع يقدم دعاية مجانية لها، ويظهر أن فيسك استنتج معلوماته في مادة دعم المملكة لداعش، استنادا لفكرة صحيحة نسبيا، مفادها تورط سعوديين في مشهد التطرف السوري والعراقي واللبناني والقائمة تطول، باعتراف المصادر الموثوقة في المملكة، وعلى سبيل المثال، جماعات التطرف في سوريا تستفيد من خدمات ما يقرب من ألف وأربعمائة سعودي من أصل عشرين ألف مقاتل أجنبي معظمهم صغار في السن ومغرر بهم، وحتى لا تحمل الأمور فوق ما تحتمل، روبرت فيسك من النوع الذي يعارض ما لا يعجبه أو يناسب ذوقه وخطه وإن تميز، وأسلوبه في النقد لا يختلف كثيرا عن المخرج الأمريكي مايكل مور صاحب «فهرنهايت 11/9»، والمعنى أنه يأخذ معلومة ثابتة ويبني عليها مجموعة من الافتراضات.. حملات الافتراء والتربص المتكرر ضد المملكة ومؤسساتها ستراجع حساباتها حتما، وتحديدا بعد صدور الأمر السامي الكريم بحبس المتورطين والممولين والمحرضين على أعمال القتال الخارجية، ولمدد تتراوح ما بين ثلاث سنوات وعشرين سنة، يشاركهم في ذات العقوبة من انضم أو تعاطف مع جماعات دينية أو فكرية متطرفة أو مصنفة كمنظمات إرهابية، وهذه رسالة واضحة لمن يجتهد في إحراج الدولة وإلصاق التهم المجانية بها لأسباب مشبوهة.