في وقت دق عدد من الباحثين والمهتمين بالبيئة والتعدين، ناقوس الخطر خوفا مما يهدد حياة سكان إحدى عشرة قرية محيطة بجبل بركان «عكوة الشامية»، في منطقة جازان، طالب أهالي المنطقة الجهات المختصة بالتدخل العاجل لإيقاف أعمال التعدين في الجبل، التي تقوم بها إحدى الشركات لاستخراج مادة خام «البوزولان» الذي يدخل في صناعة البلك البركاني المقاوم للملوحة والعازل للحرارة. واعتبر أهالي إحدى عشرة قرية محيطة بجبل بركان «عكوة الشامية» منها الحسينية، الكدمي، الوحاشية، الصافح، النجوع، مشلحة، عليان، الهيجة، المقبص، طناطن، أن استمرار أعمال طحن الجبل في المنطقة، فضلا عن تسببه في حدوث أمراض وأضرار اقتصادية وتاريخية لمعلم هام في المنطقة، سيؤدي إلى نزع سدادة فوهة البركان النائم، مطالبين بعمل اختبارات علمية متخصصة، تضع الضمانات الأكيدة للناس من خلو أعمال التعدين في المكان من أي مخاطر على سلامة الإنسان والمكان، وعدم حدوث أي آثار سلبية على الزراعة والأرض، وعمل دراسة علمية شاملة. ويأتي ذلك، فيما حذر خبراء ومختصون مما اعتبروه (إيقاظ هذا المارد النائم من سباته) وتغيير المعالم الجغرافية، وما يحدق بالإنسان في القرى المحيطة من تعرض لما يعرف بالرماد البركاني السام. وقال يحيى بن أحمد الخضيري، إن أعمال التعدين في جبل «عكوة» قلصت من حجم الجبل الحقيقي وأخذت تنخر في بنيته، محدثة دمارا هائلا في بيئته وتلويث كل ما يحيطه، مضيفا: إن المعدات تعمل ليل نهار، وتحول الجبل إلى أشلاء بحثا عن مادة البوزلان التي تدخل في مواد البناء. ويرى الخضيري، أن «عكوة الشامية» جزء هام من تراث القرية، وعنصر هام في تشكيل وجدانها التاريخي، مضيفا: مشاكلنا الصحية بدأت بوادرها تظهر مع بدء أعمال طحن هذا الجبل عام 1427ه بين أوساط السكان، تمثلت في التهابات الجهاز التنفسي وحالات الربو، جراء الغبار البركاني الناتج عن حركة المعدات والنقل والشحن الذي يثير الرماد البركاني السام. وقد كانت من ضمن التوصيات لإحدى اللجان التي عاينت المشكلة، أن يتم توفير فلاتر هوائية للسكان بشكل عاجل. ويشير حسن محمد حيدري، إلى أن الجانب الشرقي لجبل «عكوة» كان يسقي أكثر من مئتي معاد عبر سواقيها المتعددة، لكنها تحولت الآن إلى أخاديد وجزر لا يمكن لمياه الأمطار اجتيازها نحو حقول القرية، واستمرت المعاناة رغم إن توصية من قبل لجنة وقفت على المشكلة، نصت على ردم الأخاديد والحفر التي تحول دون وصول الماء لمزارعنا، لم تنفذ. أما جابر مسعود العبدلي، فقال: هالني ما رأيت من دمار وخراب حول العكوتين وخاصة حول «عكوة الشامية»، وما يتعرض له هذا المعلم التاريخي والجغرافي من تدمير، وما يتهدد المنطقة من خطر محدق من نزع سدادة هذا البركان الخامد، وما تخلفه أعمال التعدين في الجبل من أمراض، بسبب الغبار البركاني لأصحاب القرى المجاورة، إضافة للضرر الذي يصيب البيئة جراء هذا التدمير، مطالبا بإلزام المستثمر بنفقة علاج المرضى الذين تسبب لهم الغبار البركاني بأمراض في أجهزة التنفس في القرى المحيطة، ودفع تعويضات لخسائر المزارعين. وطالب بإيقاف دك «عكوة الشامية» وإبقائها معلما شامخا في منطقة جازان. ووجه الباحث محمد مسعود الفيفي، نداء لكل مثقف سعودي تهمه المعالم الجغرافية والتاريخية، بالمطالبة بإيقاف أعمال التعدين في جبل «عكوة»، وقال: إن العكوتين من الأهمية الثقافية بما يوازي أهمية التوباد أو ثبير أو عكاد، وناشد سمو أمير منطقة جازان للتدخل لحماية أبناء المنطقة من خطر فتح سدادة البركان النائم، والحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي لجبلي عكوة وإيقاف أعمال هدم وسحق جبل «عكوة الشامية»، والمبادرة إلى إنقاذ ما بقي من الجبل قبل فوات الأوان. وقال إبراهيم جبران: إن ما يمارس من تدمير متعمد هدفه المال فقط لأحد أهم معلمين طبيعيين في منطقة جازان هما جبلي عكوة وخصوصا «عكوة الشامية»، هو عمل غير مقبول بالدرجة الأولى، كونه يمس تاريخ منطقة، ومعلما جغرافيا هاما ذكرته مصادر التاريخ وكتب الأدب، ناهيك عن أهميته الثقافية والتاريخية لأبناء المنطقة، وأهميته الطبيعية للمناطق الزراعية المحيطة به. كما أن تلك الاعتداءات غير المبررة والتي تتم بطريقة غير شرعية، هي اعتداء خطير بطرق غير رسمية - على حد علمي، كون الترخيص المزعوم صدر باسم شركة أخرى ونشاط آخر، تم تعديله على اللوحة التي تستقبل زائر المكان، بينما في الحقيقة هو اعتداء جائر. مطالبا الجهات المسؤولة بسرعة إيقاف العمل في تفتيت جبل عكوة ومحاسبة مرتكبيه. وأضاف جبران: يجب أن لا ننسى أن ذلك الاعتداء تسبب في إحداث حفر عميقة وضخمة جدا، تشكل خطرا حقيقيا على الساكنين بالقرب منها كونهم أهل زراعة ورعي، وهي منطقة تنزه مشهورة يرتادها الكثير من أبناء المنطقة، ناهيك عن تدمير الغطاء النباتي، وهي مخالفة صريحة لكل التعليمات المتعلقة بضرورة المحافظة على مناطق الرعي والأشجار المهددة بالانقراض. مناشدا الجهات التي منحت الترخيص بالوقوف المباشر على حجم الأضرار، والتأكد من مدى مطابقة الشروط، إذا كانت الشركة بالفعل تمتلك تصريحا ساريا. وقال: لا أتصور أن تلك الجريمة التي ارتكبت في حق ذلك الجبل من المعقول أو المسموح به، وهي أمانة نعلقها في أعناق المسؤولين كبيرا وصغيرا وأبناء المنطقة الفاعلين. يشار إلى أن جبل «عكوة الشامية» اكتسب هذه التسمية نسبة لجبل بركاني آخر مماثل، يعرف بعكوة اليمانية يقع إلى الجنوب من هذه العكوة، ويقع الجبلان في خط مستقيم من الجنوب للشمال على نقطة تقع شرق مدينة صبيا، وتبعد عنها حوالي 20 كيلو متر، وتفصل بينهما مسافة ستة كيلو مترات. ويعتبر الجبل البركاني الشمالي أصغر من البركان الجنوبي من حيث الارتفاع ومساحة القطر، إذ ترتفع ذروة هذا البركان إلى 248 مترا عن سطح البحر، بينما يبلغ ارتفاع الجدار الداخلي للبركان 78 مترا انطلاقا من أخفض نقطة في القعر، بينما كان عرض الفوهة عند ذروتها تساوي 453 مترا، في حين تفاوتت قياسات محيطة عند القاعدة الخارجية من 1280م – 1010م، وتمتاز حافته العلوية بضيقها الشديد، حيث لا تتجاوز مترين عرضا في أغلب الأحوال، لهذا فسلوكها يعد مغامرة حقيقية محفوفة بالمخاطر، ويتميز المحيط الخارجي لبركان جبل «عكوة الشمالية» بهشاشة بنيته وعدم تماسكها.