لعل القارئ يشاركني الرأي من أن تناول وسائل الإعلام الغربي والعربي لموضوع مؤتمر جنيف واحد واثنين، ثم تناوله بشكل مكثف ومن كافة الأطراف ذات العلاقة بدءاً بالأمم المتحدة الراعي ثم أمريكاوروسياوفرنسا وإنجلترا وألمانيا، وبالطبع المملكة العربية السعودية ودول الخليج لما في ذلك من تأثير على مجرى النزاع الإجرامي في سوريا، والهدف الأساس من كل ذلك، هو حفظ الدم السوري الذي أصبح يستباح دون تفرقة بين طفل أو امرأة أو رجل صغير أو كبير، وبشكل عشوائي فاق العديد من جرائم الإنسانية والإبادة الجماعية والعرقية في العديد من دول العالم. وكما نعلم فإن جنيف واحد نتج عنه تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات لإدارة شؤون البلاد وخروج بشار الأسد ورموزه من سوريا. ومنذ بداية الصراع، تحملت بعض الدول عبء الهجرة، هجرة اللاجئين، بأرواحهم من سوريا إلى تركيا والأردن وبشكل أقل دول الجوار الأخرى، ولقد طالعتنا وسائل الإعلام مؤخراً من أن عدد اللاجئين يربو على الخمسة ملايين وعدد ضحايا الحرب الدائرة، حوالى نصف مليون عدا المفقودين .. وخلال استقراء الأحداث خلال السنوات الثلاث، ومنذ بدأ الصراع في سوريا لعبت ولا تزال، روسياوإيران وبدرجة أقل العراق دورا جوهريا في استمرار الصراع وبدعم النظام السوري حتى الوقت الراهن. ولا يمكن أن نفكر بأن الدور الروسي، من خلال وزير خارجيته لافروف كان دوراً أساسياً ومحركاً في فرض الأمر الواقع والحيلولة دون إنهاء الصراع لأسباب جيواستراتيجية، وكذلك رغبة روسيا في استعادة دور الاتحاد السوفيتي المفقود، ولعل القول، بأن روسيا قد نجحت كحد كبير في استعادها دورها العالمي من خلال الصراع السوري الدائر، ولكن كان الثمن باهظاً .. وهو إزهاق أرواح مئات الآلاف وتدمير البنية التحتية الأساسية لسوريا وحالة عدم الاستقرار في المنطقة.. ومما لا شك فيه أن الدور السعودي نحو إنقاذ سوريا وشعبها والمعارضة هو الدور الدبلوماسي الأساسي بل يكاد يكون الدور المحوري العالمي في تحريك القضية والصراع نحو الحل في صالح المعارضة وشعب سوريا، وكانت مساهمة المملكة سياسياً هي «رأس الحربة» في دفع زمام الأمور واستمرار الزخم السياسي لصالح المعارضة. وبالطبع فإن المساهمات العينية ماثلة للعيان ومستمرة، ويمكن القول، بأن السياسة السعودية هي الأساس الفاعل نحو إيجاد حل عادل ومرضٍ والذي يرضي المعارضة الشعبية وإعادة الاستقرار للمنطقة. وبالطبع، فإن إلمام القارئ والمواطن العربي بأبعاد الصراع السوري الذي يذهب ضحيته مئات الآلاف منذ بدأ الصراع، أقول إن إلمامه لهذا الأمر لهو على قدر كبير من الدراية والمتابعة. كذلك يلاحظ الجميع حالة الانقسام في المنطقة والعالم تجاه إيجاد حل سريع يحقن الدماء في سوريا .. وهذه لنا عودة لها في نهاية وخلاصة المقال .. ولقد بدأ الصراع في سوريا، بداية، بمطالبة الشعب بتغيير النظام القائم ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى نزاع مسلح غير متكافئ الأطراف بين النظام السوري والمعارضة وكان معظم ما حصلت عليه المعارضة في البداية هو دعم لوجستي وكذلك رعاية اللاجئين والأهم دعم دولي وسياسي لا محدود مع المعارضة لأن تسود .. وبعد ذلك بدأت تظهر من خلال الصراع عدة أطراف وجهات بعضها قد يكون فعلا مع المعارضة ضد النظام ولكن يظل الهدف الأساسي لتلك الجهات غير معلوم وغير واضح والبعض الآخر منهم يمثل جماعات متطرفة من كافة أنحاء المنطقة وحتى من بعض الغربيين من أصول عربية تشارك في النزاع. وكما علمنا من وسائل الإعلام فإن النظام السوري أيضاً أسس جهة تدعّي أنها مع المعارضة ولكنها في نهاية الأمر تعمل لصالح النظام. وهذا الأمر لابد أن يكون نصب أعين المعارضة السورية الآن وفي المستقبل بهدف الحفاظ على وحدة المعارضة ومستقبلها السياسي ولنا في ليبيا واليمن عِبر وسوابق... وفي الإجمال، هنالك أطراف عديدة تحارب في سوريا الآن ويجب أن لا نتجاهل الدور الإيراني الهائل في دعم النظام السوري بعتاد حربي وأسلحة وخبراء وغذاء وإمداد وتموين وكل ما يحتاجه النظام السوري ضد المعارضة ووصل الأمر كذلك لمرحلة دعم بخبراء عسكريين إيرانيين لمساندة النظام. كذلك فإن دخول «حزب الله» في الصراع المسلح في سوريا مع النظام أسقط الكثير من الأقنعة وأصبحت الصورة واضحة فيما يختص بأطراف النزاع .. ونواياهم الخفية. وفي افتتاح مؤتمر جنيف2 مونتروا بسويسرا قدم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي حلا من عدة خطوات لإنهاء الصراع المسلح للأزمة في سورية تشتمل «على انسحاب القوات والعناصر الأجنبية المسلحة من سوريا؛ ووقف القتال وفك الحصار عن السكان في المدن والقرى؛ وإيجاد مناطق آمنة لتأمين الشعب السوري وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين في سجون نظام بشار الأسد؛ إضافة إلى تشكيل حكومة انتقالية تتولى فوراً زمام الأمور كافة في البلاد ..!؟» وللتاريخ والحق فإن جهود سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الحثيثة والدؤوبة منذ بداية الأزمة والصراع في سوريا، وكذلك دوره المحوري الجوهري في بداية الأحداث في مصر بعد 25 من يونيو الماضي، وبتوجيهات قوية واضحة من القيادة السعودية الحكيمة، كان لها بجهود الأمير سعود، الأثر الأكبر والدور الفاعل في تحريك المفاوضات والأحداث لصالح الشعب السوري والمعارضة ولدفع الضرر الأكبر التآمري عن مصر من جهة أخرى .. ومهما حاول المرء من استقراء للأحداث خلال السنوات الثلاث الماضية للنزاع في سوريا فإنه لا يمكن إلا أن يرى أن نظام الأسد سيستمر في غيه وقتله للأبرياء طالما لديه الدعم السياسي والعسكري روسيا والدعم البشري والمالي والإمداد والتموين من إيران وحزب الله بشكل غير محدود .. ومما لا شك فيه، بأن هذا الدعم اللامحدود من تلك الجهات والدول للنظام الطاغي في سوريا له أهداف سوف نشير إليها بعد قليل، ولكن أكرر هنا أن من الصعوبة بمكان معرفة ما ستؤول إليه الأمور في سوريا وآلية الحل والنتائج المرتبة عليه، وذلك من خلال مقال صحفي؛ لأن كثيراً من الحقائق والأمور والأحداث ذات الطابع الاستخباراتي والعسكري غير متاح ولذلك سيظل كل تحليل وتناول للوضع السوري الراهن منقوصا وغير قادر على الوقوف على ما ستكون عليه الأمور حال خروج النظام أو استمراره... ومن جهة أخرى لو تساءل المرء منا في ضوء ما يحدث عن الدور الأمريكي المتذبذب، ولكنه بالتأكيد واضح الهدف بالنسبة لها.. ولهذا أضحت الولاياتالمتحدة تنأى بنفسها عن أي صراع مسلح في العالم .. وأمام عينها الإخفاقات المتتالية لما حدث نتيجة تدخلها المسلح في فيتنام ثم أفغانستان وأخيراً العراق وإن كنا لا ننسى الجهود والتدخل العادل الموفق في تحرير الكويت .. لذا يبدو أن أمريكا أضحت تنحو نحو التفاوض والحلول السلمية لحل النزاعات وهو دور جوهري وأساس وذلك بالرغم من الخسائر البشرية الهائلة والتشرد وقتل النساء والأطفال التي عانى ويعاني منها الشعب السوري، وبالرغم من ذلك لا يجب أن يغيب عن الذهن أن للولايات المتحدةالأمريكية وبمكانتها وثقلها العالمي، مسؤولية معنوية تجاه ما يحدث من قتل متعمد عشوائي وتدمير وتهجير بل وإبادة عرقية للشعب .. ولاحقاً وفي نهاية هذا المقال سنحاول أن ننظر إلى سياسات العديد من الدول تجاه الموقف في سوربا بدءا بروسيا، ولا أحد ينكر من أن روسيا قد استفادت الكثير سياسياً من موقفها ضد الشعب السوري وبقدر عتادها وإمدادها العسكري لسوريا النظام وبقوة «الفيتو» ووقفت مع سوريا النظام أمام كافة المحاولات لإيجاد حل عادل للصراع السوري المسلح، وهنا نكرر من أن دور وزير الخارجية الروسي لافروف وأداءه الدبلوماسي وتحركاته الدولية نجح في «اختطاف» العديد من المواقف السياسية من ناحية وإجهاض العديد من المحاولات نحو حل الأزمة والتي لا تتفق مع السياسة الروسية لمصلحة النظام السوري. وبالطبع نحن عندما نتحدث عن الكسب والخسارة فنحن نذكرها من الناحية السياسية الدولية فحسب لأن قتل الأبرياء العزل لا يمكن أن يعد كسباً في أي حال من الأحوال .. وتأتي إيران في الدرجة الثانية بعد روسيا وجهودها الواضحة بالدعم اللامحدود لسوريا النظام وحزب الله، حتى قبل بداية الصراع في سوريا، بالعتاد والسلاح والمال والدعم العسكري والمالي لأن سوريا بالنسبة لإيران هي مسألة «بقاء» وموطئ قدم لها في هذه المنطقة الاستراتيجية لسوريا وبجوار لبنان والأردن والعراق وطرق برية وغيرها... وبالطبع فإن انتصار المعارضة السورية ستكون إيران الخاسر الأكبر لفقدها أهم حليف استراتيجي «طائفي» في المنطقة وستفقد العمق الاستراتيجي لها لسواحل البحر الأبيض المتوسط والجوار الجغرافي ونتيجة مباشرة لذلك سيفقد حزب الله بالتالي قاعدة الإمداد والتموين والطرقات والموانئ والمطارات والحليف الاستراتيجي المذهبي ممثلا في سوريا الأسد. ولذا خلاصة القول فإن انتصار المعارضة السورية سوف يؤدي إلى فقدان روسيا لحليف استراتيجي هام ولموطئ قدم في تلك المنطقة القاعدة البحرية في اللاذقية وحرية الحركة للشرق منها... وأما إيران وحزب الله فكما أشرت ستكونان الخاسر الأكبر في حال فوز المعارضة. وبالتالي فإن سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى تغيرات ذات طابع استراتيجي جد هام وجيوسياسي في المنطقة ولكن القول بأن «الهلال الشيعي» سيفقد الشطر الأوسط والأهم في منطقته الجغرافية وبالطبع هذا سوف يؤثر سلباً على العراق .. ولذا يمكن من ما ذكر أن نرى ونفهم أسباب شراسة وقساوة النظام السوري في سوريا والذي يحارب شعبه ويقتله ويدمر عليه منازله دون رحمة وتردد لأنه يحارب للبقاء .. ولعل الدول العظمى وعلى وجه الخصوص الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيد النظر في سياستها الراهنة في سوريا وتنحو كما فعلت وحلف شمال الأطلسي في كوسوفا في مارس عام 1999 نهاية القرن الماضي، وتدخلت بفعالية وإنسانية في ذات الوقت لحماية مسلمي وشعب تلك المنطقة من حرب الإبادة العرقية التي كان يقوم بها الصرب بلا هوادة هناك متذكرين ذات الأحداث والمشاهد والقتل والتشريد للأبرياء والهدم والدمار، تماماً كما يحدث الآن في سوريا، وكان ذلك التدخل عملية عسكرية ناجحة للغاية نفذتها في شقها الأكبر القوات الجوية الأمريكية، وفي ذات السياق فإن تدخل أمريكا جويا مع فرنسا وبريطانيا في ليبيا دفع ضررا كبيرا بين الشعب الليبي في ذلك الوقت وتم إنقاذ بنغازي من إبادة مؤكدة في حينه... وفي الإطار ذاته ربما يسبق ذلك إعلان منطقة حظر جوي في أجواء سوريا لحماية الشعب السوري ومنع المزيد من إراقة الدماء والتي تدمى القلوب عبر ما نشاهده في التلفاز لبشاعة القتل العشوائي الانتقامي اللاإنساني من قبل النظام على الشعب السوري. ومن ثم يلي ذلك فتح ممرات آمنة لإرسال المساعدات والأدوية والعون لمنكوبي الكارثة في سوريا، وربما يقول قائل، إن هذا الأمر من السهل تسطيره على الورق ولكن تنفيذه صعب المنال، أقول إن هنالك سابقة مماثلة حدثت ولو اتحدت الإرادة الدولية، وتحييد الدور الروسي، لأمكن الوصول لذلك ... وبالتالي سيبدأ النظام السوري في فقدان مقومات وجوده وتنتصر الإرادة السورية .. المعارضة ...