الروايات والقصص تكتب عن أهل المعاناة المعذبين المطحونين.. وأصحاب القضايا والهموم والمآسي التي تثير الرحمة وتستمطر الآهات. والصحف أيضا تعرض قصصهم التي تقترب من الخيال، وتؤثث بالصور والبورتوريهات والتحقيقات حاجاتهم.. وفي الجانب الآخر، تبدع الميديا بأنواعها في تتبع أخبار المشاهير وعلية القوم من الأثرياء والنجوم من الفنانين والرياضيين وسواهم، وتبهر العالم بمستوى ثرائهم الفاحش! في نهاية كل عام، تظهر جردة حساب لأهم أحداث العام المنطفئ، وكالعادة، لا تهتم الروزنامة إلا بالأغنى والأفقر.. لكن ناس الوسط، الناس «اللي عايشين» وربك ساترها معاهم، أصحاب الدخول الأقل من متوسطة، الذين يجد أحدهم عنتا شديدا أحيانا في توفير مصروف المدرسة لأبنائه قبل نهاية الشهر بأيام.. حين يبدأ الراتب في التسرب النهائي من بين يديه، الناس الحقيقيون، من ينتبه لهم، من يكتب عنهم؟! يقولون: الناس مقامات، وفقط، مقامات ليس أكثر، هكذا نتعامل مع الآخرين، كل حسب مقامه، وليس حسب إنسانيته وقيمته بوصفه إنسانا من الناس. من الناس من نقوم له إذا حضر، ونستنكف أن نصافحه ونحن جلوس، ومنهم من نستثقل مد اليد لمصافحته والوجه لمواجهته، ونشدد على الجملة الشهيرة تظاهرا بالاحترام ونحن جلوس أيضا «عز الله مقامك» تركيزنا على المقام دائما، وكأننا بهذه الجملة ندعو له أن يعلو مقامه وعزه حتى يستحق منا الوقوف أو أي تعبير آخر عن التقدير والاحترام حال مثوله أمامنا! تقول العرب في أمثالها المأثورة «لا يطاع لقصير أمر» قال جامعو الأمثال ورواتها: يضرب هذا المثل للرجل الخامل لا يأخذ بقوله وإن قال صوابا، والخامل هو الضعيف، البسيط، من لا عز له ولا مقام، ليس لرأيه قيمة، وأقسى من ذلك، ليس لوجوده قيمة، ترى ذلك في أفراح الناس وأتراحهم، عزيز القوم يغشى وتغشى مناسباته، وخاملهم يأتي دون دعوة ولا يؤتى، لا يفقده الناس حين يغيب، ولا يأبهون له إن حضر، أحد «الناس» مات في بيته، وما دل «الناس» على موته إلا رائحة جسده المتعفنة بعد أسابيع من وفاته، فاحت رائحته وتجاوزت حدود منزله. نعم يموت، ولا بواكي له، يشبع موتا ولم يشبع حياة!! ناس الوسط، الناس الحقيقيون فعلا.. لا جمعية لهم ولا هيئة ولا جهة ترعاهم ولا أحد يكتب عنهم، من يتألم: يتألم لوحده، ومن يفرح: يفرح لوحده.. ويحتفل!!.