يشتكي أحد المسؤولين عن عمال النظافة في شركة للصيانة والتشغيل في جدة، من أن العمال يهملون أعمالهم وينصرفون إلى التسول ويلقي باللائمة على الناس الذين يتصدقون عليهم بالمال فيشجعونهم على التسول وترك العمل. أحد المسؤولين عن مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية يتذمر من أن جهود الوزارة في مكافحة تسول عمال النظافة تواجه معوقات في أداء مهمتها، وذلك بسبب تعاطف الناس مع أولئك العمال وتصدقهم عليهم بالمال، فيعرقل ذلك نجاح المكافحة ويطيل أمد المشكلة وإعاقة التخلص منها!! وحل المشكلة كما يراه هؤلاء المسؤولون هو أن يمتنع الناس عن دفع الصدقة لعمال النظافة كي يكفوا عن التسول!! لكن لا أحد يسأل لم يتجه عمال النظافة إلى التسول؟ أو ما الذي يجعل الناس يتعاطفون معهم فيمدونهم بالصدقة؟ عندما يكون راتب عامل النظافة أقل من الكفاف، وزيادة على ذلك لا يصرف له الراتب بانتظام، هل يلام إن هو تسول ليأكل؟! بحسب اعتراف مدير النظافة في إحدى شركات النظافة المنشور في جريدة مكة يوم الأربعاء الماضي، فإن رواتب عمال النظافة يتأخر صرفها شهرين على الأقل، رغم أنها رواتب في غاية الضآلة تبدأ من (250) ريالا وأعلى ما تصل إليه (900) ريال!! إن عاملا هذه حاله، ليس أمامه سوى خيارات محدودة لعل أهونها التسول، فهو إما أن يصبر فيموت جوعا، وإما أن يمتهن السرقة أو تسويق الخمر أو البغاء، أو يمتهن التسول ليسد حاجته إلى الطعام. لقد كان أولى من مطالبة الناس بالامتناع عن التصدق على عمال النظافة، المطالبة بتصحيح أوضاعهم الاقتصادية، إما أن تزاد مرتباتهم وتدفع لهم شهريا بانتظام لا تأخير معه، أو يرحلوا إلى بلادهم، أما أن يبقوا محبوسين لدينا لا نعطيهم أجورا تكفي حاجتهم ولا نسمح لهم بالتسول، فإن ذلك يعني الحكم بهلاكهم. إني من مكاني هنا أخاطب وزارة العمل أن تلتفت إلى هذه القضية المهمة، وأن تبادر إلى وضع حد أدنى للأجور يحمي هذه الفئة المستضعفة من الاستغلال، وأن تقاضي الشركات التي تؤخر رواتب عمالها عن موعدها المستحقة فيه. أما مناشدة الناس أن يمتنعوا عن التصدق على عمال النظافة رغم ماهم عليه من بؤس العيش، فإنه أمر يتنافى مع المبادئ الإنسانية والتعليمات الدينية والأمن الاجتماعي. لا مشاحة أن التسول من المظاهر غير السارة في أي مجتمع، ومن مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية أن تتشارك مع وزارة العمل في معالجة هذه المشكلة معالجة تجتثها من جذورها، سواء كان المتسولون عمال نظافة أو مواطنين أو غيرهم، فتدرس الأسباب الدافعة إلى التسول وتضع الحلول الملائمة للقضاء عليه، أما أن تكتفي بمجرد مطاردة المتسولين لإقصائهم عن الطرقات، فإن ذلك ليس حلا.