«المضطرب سلوكيا» بهذا القدر من التسامح اللغوي وصف الإعلام الرجل الوحش الذي تحرش جنسياً بطفلة في المنطقة الشرقية ذات السبع سنوات. ما رأيناه من تحرش في مقطع اليوتيوب عند المصعد هو بداية الجريمة البشعة بعدها دخل المتحرش مع الطفلة وأغلق الباب ولا نملك إلا أن نتوقع التفاصيل الأبشع التي قد وقعت في أحد أدوار العمارة. «المضطرب سلوكياً» تعبير مسطح يحمل قدرا من التسيب لا يتكافأ مع بشاعة الجريمة المرتكبة لقد أوشكوا أن يسموه «سعادة المضطرب سلوكياً». إن الفرق بين مصطلح «اضطراب السلوك» وبين مصطلح «جريمة التحرش الجنسي» بالصغار البريئين الطاهرين كبير لا يؤهل للمقارنة ولكن من باب عدم مزج المفاهيم فإن مصطلح «السلوك المضطرب» يعبر عن خبرة إنسانية عامة، يقع فيها، أحيانا، أي فرد سوي يتمتع بكامل صحته الجسدية والنفسية ويمارس حياته بسلوكيات طبيعية عادية فيحدث أن يصدر منه تصرف، مستنكر أخلاقيا أو غير متعارف على قبوله اجتماعيا، لكن مهما بلغت حدة هذا التصرف وخروجه عن المألوف٫ إلا أنه يظل في حدود السلوك الطارئ الذي لا يصل بأي حال إلى مستوى الجريمة. أما عبارة «المتحرش بالطفل جنسيا» فتعني أن يرتكب الجاني جريمة مكتملة البشاعة يعتدي فيها على الطفل وينتهك براءته بما يحدث تدميرا عميقا في الوظائف الجسدية والوجدانية والذهنية للطفل؛ فالمتحرش قاتل صريح يغتال الطفولة ويصيبها في مقتل روحي وجسدي ونفسي وبالإضافة إلى ذلك فإنه يخلق من الطفل الذي اعتدى عليه متحرشا جديدا يعيث في المجتمع تحرشاً واغتصابا. فالدراسات العلمية تقول إن: المتحرشين الكبار في معظم الحالات قد تعرضوا لحوادث تحرش وهم أطفال. فالشخص الذي يتعرض للتحرش في الصغر تتكون بينه وبين مجتمعه عداوة تدفعه إلى الانتقام بتكرار نفس الفعل مع أطفال صغار وهكذا حتى يصبح المجتمع دائرة من الجرائم والعاهات النفسية لا حل ولا نهاية لها. إن جرائم التحرش الجنسي بالأطفال اتسعت وانتشرت واستفحلت ومازال الإعلام وهو السلطة الرابعة (كما يصنفونه) لا يملك الجرأة على إعلان اسم المتحرش ليعرفه الناس ويعلموا أطفالهم أن يتفادوه على الأقل. الناس مستفزون ابتداء من التلطف اللفظي الإعلامي للحدث والنغمة المستحية في نشر الخبر إلى غياب القانون المقنن الصريح لمكافحة المجرمين المتحرشين. والناس ممنونون لمثبت الكاميرا التي تم بواسطتها التعرف على المجرم. والناس يحترمون بشدة ناشر «فيديو التحرش» في مواقع التواصل الاجتماعي الذي جعل من حالة «طفلة الشرقية» أداة وقاية ووسيلة توعية مجتمعية ضد التحرش بالأطفال، على المستوى المحلي والإقليمي والعربي وربما العالمي.